بقلم: زكية لعروسي
أصدرت السلطة الفلسطينية قرارًا مثيرًا للجدل بتعليق نشاطات قناة الجزيرة القطرية في الضفة الغربية، ما أثار تفاعلات واسعة النطاق. فلماذا تم اتخاذ هذا القرار؟
جاء هذا القرار في سياق سياسي معقد، حيث تعيش الضفة الغربية أوضاعًا متأزمة تشوبها توترات داخلية وخارجية. تعتبر السلطة أن تغطيات الجزيرة تتجاوز حدود الإعلام المحايد إلى ما تصفه بـ”التضليل والتحريض”. هذا الاتهام يعكس توجس السلطة من تأثير الإعلام على تأجيج الشارع الفلسطيني، خاصةً في ظل تحديات تواجهها من المعارضة الداخلية، بما في ذلك الفصائل المسلحة التي تعارض سياساتها.
في هذا السياق، قال المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد سابقًا: “المعركة على السردية لا تقل أهمية عن المعركة على الأرض”، ما يؤكد أهمية الإعلام في تشكيل الرأي العام وخلق زخم سياسي.
من جهتها، اعتبرت الجزيرة أن القرار محاولة لحجب التغطية المستقلة عن “الواقع الميداني”، وهو اتهام يعكس توترًا دائمًا بين الأنظمة الحاكمة والمؤسسات الإعلامية التي تدّعي الحيادية. في هذا الصدد، قال الصحفي البريطاني جون بيلجر: “الإعلام الذي لا يزعج السلطة ليس إعلامًا حقيقيًا”، مما يلقي الضوء على دور الإعلام في مراقبة السلطة وانتقادها.
الاشتباكات المستمرة في جنين وغيرها من مناطق الضفة تسلط الضوء على ضعف السلطة الفلسطينية في السيطرة على الأرض وعلى السرد الإعلامي. يرى الباحث السياسي رشيد الخالدي أن “الأزمات الداخلية تضعف شرعية السلطة وتجعلها أكثر عرضة لاتخاذ قرارات قمعية للحفاظ على بقائها”.
في ظل هذه المواجهات، تسعى السلطة إلى تقديم نفسها كجهة شرعية وحيدة تمثل الشعب الفلسطيني، في حين ترى الجزيرة نفسها صوتًا ينقل معاناة الفلسطينيين إلى العالم.
بتوجيز، يثير هذا القرار جدلاً أعمق حول حرية الصحافة في فلسطين والمنطقة ككل. عبرت منظمات مثل “مراسلون بلا حدود” عن قلقها البالغ من هذه الخطوة، حيث وصفتها بأنها “ضربة جديدة لحرية التعبير”. في هذا السياق، يقول نعوم تشومسكي: “الرقابة ليست فقط قمع الكلمات، بل تشكيل ما يمكن التفكير فيه”.
من زاوية دولية، يُنظر إلى قرار تعليق أنشطة الجزيرة في سياق أوسع من التوترات الإقليمية. الجزيرة، باعتبارها مؤسسة إعلامية قطرية، لطالما كانت طرفًا في نزاعات إعلامية وسياسية مع دول أخرى، مما يجعل قرار السلطة جزءًا من ديناميات إقليمية معقدة.
يعكس هذا القرار تقاطع السياسة والإعلام في منطقة تُعد من أكثر مناطق العالم حساسية. في ظل انحسار شرعية السلطة الفلسطينية داخليًا، وتزايد الانتقادات الخارجية، يبقى السؤال حول قدرة السلطة على التوفيق بين تحقيق الأمن الداخلي وضمان الحريات الأساسية، وهي معضلة تعصف بالعديد من الأنظمة في المنطقة.