بقلم: زكية لعروسي
تحت ظلال حكم طالبان القاتم، تعيش المرأة الأفغانية مأساة تتجاوز القمع الجسدي لتصل إلى محو إنساني وثقافي مقصود. قرار حظر النوافذ في المنازل الذي يُلزم بإخفاء النساء خلف الجدران، ليس إلا صفحة جديدة في سجل طويل من القيود. فكيف لمجتمع، أنجب العقول الفذة كالبيروني وابن رشد، أن ينحدر إلى عقلية طالبان ذات التوابل السامة التي ترى في المرأة مصدرا لكل خطيئة؟
في زمن الإسلام الذهبي، كانت المرأة تشارك في بناء الحضارة بكل أبعادها. السيدة خديجة بنت خويلد كانت تاجرة ناجحة، وعائشة بنت أبي بكر عالمة وفقيهة، وفاطمة الفهرية أسست أول جامعة في التاريخ. تلك العقول النسائية أسهمت في رسم ملامح الحضارة الإسلامية كما أضاءت عقول الرجال. لكن طالبان، في زمنهم الكئيب، حولوا المرأة إلى شبح يُخفى خلف الجدران، في محاولة يائسة لحجب النور الذي تمثله عن عالمهم المعتم.
إن ما يفعله طالبان هو “الجهل المقنن”، حيث لا تُطمس المرأة كجسد فحسب، بل كفكر وروح. يقول أبو الريحان البيروني: “العقل نور يهدي، والجهل نار تردي”، ولعل طالبان قد اختاروا نار الجهل، ليحرقوا به عقول نصف مجتمعهم.
الإسلام الذي أخرج ابن رشد والفارابي والخوارزمي لا يمكن أن يكون نفس الإسلام الذي يغلق النوافذ ويمنع النساء من التعليم والعمل وحتى التواجد في الحدائق. الإسلام الذي أقر مكانة السيدة خديجة وعائشة وفاطمة كان إسلامًا يرفع العقل والكرامة فوق نزوات الذكورية التي لا تراها سوى في ضيق الأفق.
طالبان، بخطابهم المعادي للمرأة، حولوا الدين إلى أداة للقمع، كأنهم يخشون من المرأة أن تكشف بعقلها المستنير هشاشة أفكارهم المعتمة. إن هذه النزوات الذكورية ليست سوى امتداد لرؤية مشوهة تخشى العلم وتقاوم التنوير.
وصفت الأمم المتحدة هذه السياسات بأنها “أبارتايد جندري”. فالمرأة الأفغانية اليوم محرومة من التعليم، العمل، وحتى من مجرد الحضور في الأماكن العامة. وكأنهم يرون أن تقدم المجتمع مرهون بإقصاء نصفه. لكن هذا الفصل القسري بين النساء والحياة لا يُنتج إلا مجتمعات مبتورة، فاقدة للاتزان والإبداع.
رغم الجدران العالية والقيود الصارمة، لا تزال المرأة الأفغانية تقاوم. مثلما قالت العالمة الإيرانية مريم ميرزاخاني: “العلم لا يعترف بالحدود”، كذلك فإن نضال المرأة الأفغانية يتجاوز القيود المادية والمعنوية، ليصبح صرخة من أجل العدالة والحرية.
أليس عارًا على العالم الإسلامي، الذي أنتج أعظم العقول ورفع لواء العلم، أن يصمت أمام هذا التردي؟ الإسلام الذي رأى في العلم واجبًا مقدسًا، لا يمكن أن يكون نفس الإسلام الذي يُستخدم اليوم لتبرير إغلاق النوافذ وبناء الجدران.
يقول ابن رشد: “العقل جوهرٌ أسمى، به تُبنى الحضارات”، وأي عقلٍ هذا الذي يهرب من مواجهة المرأة خلف الجدران؟ على المسلمين اليوم استعادة دينهم من قبضة طالبان، الذين يلوثون جوهره بنزوات ذكورية طائشة وبجهل مغلف بمسميات زائفة.
المرأة الأفغانية ليست كيانًا يُحجب بنوافذ مغلقة، بل هي روح تحمل إرثًا غنيًا من الإبداع والعطاء. إغلاق الجدران لن يمنع شمس الحرية من الشروق يومًا ما، لتكشف زيف عقول طالبان، وتعيد للأفغانية مكانتها كركيزة أساسية في بناء مجتمع عادل وسليم.