بقلم: زكية لعروسي
“إنه عصر الخطر، ومؤثري آخر الزمان”، كما تقول أمي خيرة، عصر تتحول فيه وسائل التواصل الاجتماعي إلى قنابل فكرية ناسفة تهدد بإحراق الأخضر واليابس، ومعهما عقول أبنائنا. ما الذي يجري؟ هل أصبح العنف ماركة مسجلة باسم العرب؟ أم أن العالم بأسره يواجه أزمة أخلاقية عميقة تتجسد في تفاهة الفكر وغياب المسؤولية؟
وسائل التواصل الاجتماعي التي وُجدت لتكون أداة للتواصل والتعبير الحر أصبحت اليوم معول هدم بيد بعض المؤثرين. قصة “زازو يوسف”، المؤثر الجزائري الذي تجاوز عدد متابعيه على “تيك توك” 400 ألف، مثال حي على ذلك. يوسف لم يكتفِ بنشر محتوى سطحي، بل انحدر إلى مستوى خطير من التحريض على العنف والإرهاب. دعا علنا إلى ارتكاب اعتداءات في فرنسا وأعمال شغب في الجزائر، مستغلا شهرته لإشعال الفتنة ونشر الكراهية.
L’influenceur algérien Zazouyoussef est en garde à vue à Brest, accusé d’appeler “à commettre des attentats en France”.
▶#JT13H pic.twitter.com/NfIS83YTrr
— franceinfo (@franceinfo) January 3, 2025
الحادثة ليست استثناء، بل هي جزء من ظاهرة عالمية حيث تستغل هذه المنصات لبث الأفكار العدوانية التي تؤدي إلى تدمير المجتمعات. يقول عالم النفس “أبراهام ماسلو”: “إن الإنسان الذي يفشل في إشباع احتياجاته الأساسية قد يلجأ إلى سلوكيات هدامة لإثبات وجوده.” وهنا تكمن المشكلة، حيث يتم استغلال شعور الشباب بالغربة والفراغ العاطفي لتحويلهم إلى أدوات في يد دعاة التطرف.
العنف: هل هو ماركة مسجلة باسم العرب؟
يرى البعض أن العنف أصبح لصيقًا بالعالم العربي، وهو طرح يحتاج إلى تفكيك جذوره. يقول المؤرخ “إريك هوبسباوم” إن “كل ثقافة تحمل بذور العنف إذا فُقدت العدالة وسادت الفوضى.” العنف ليس حكرًا على ثقافة بعينها؛ بل هو نتيجة طبيعية لانهيار القيم وضعف التعليم، وهو ما نشهده اليوم في مجتمعات تعاني من أزمات متعددة، أبرزها الفراغ الفكري الذي يملؤه دعاة الكراهية.
عاشت الجزائر مثالا مرعبا خلال العشرية السوداء في التسعينيات، حيث قُتل مئات الآلاف بسبب الفكر المتطرف. ولم تكن فرنسا بمنأى عن ذلك، حيث واجهت موجات من الإرهاب خلال العقدين الأخيرين. هذه الأمثلة التاريخية تؤكد أن الإرهاب ليس وليد لحظة، بل نتيجة تراكم طويل من الإهمال والتغاضي عن جذور التطرف.
المسؤولية هنا جماعية لحماية أبناءنا من مؤثري آخر الزمان، تبدأ من الأسرة ولا تنتهي عند الحكومات والمنصات الرقمية. كما يقول الفيلسوف “جان بول سارتر”: “الحرية ليست مجرد غياب القيود، بل القدرة على اختيار الخير.” لذا، علينا تمكين أبنائنا من اختيار الخير في عصر مليء بالإغراءات السلبية.
1. تعزيز التفكير النقدي:
تعليم أبنائنا كيفية التمييز بين الحقيقة والتضليل هو السلاح الأقوى في مواجهة خطاب الكراهية. كما يقول عالم النفس “جون ديوي”: “التعليم ليس إعدادا للحياة، بل هو الحياة ذاتها.”
2. تفعيل القوانين الرقمية:
يجب أن تتحمل الحكومات والمنصات مسؤوليتها في منع المحتوى التحريضي، تمامًا كما تم توقيف “زازو يوسف”. لا يمكن للفضاء الرقمي أن يكون مستباحا للفكر المتطرف.
3. دور المؤثرين الإيجابيين:
المنصات بحاجة إلى محتوى يعزز القيم الإنسانية. يمكن تشجيع المؤثرين الذين ينشرون الإيجابية عبر حملات دعم وترويج واسعة.
4. إحياء الحوار الأسري:
الأسرة هي الحصن الأول ضد الأفكار الهدامة. الجلوس مع الأبناء، الاستماع إليهم، ونقاش ما يشاهدونه على الإنترنت، خطوات بسيطة لكنها فعّالة.
5. الاستفادة من دروس التاريخ:
العشرية السوداء في الجزائر والهجمات الإرهابية في فرنسا دروس قاسية يجب أن نتعلم منها، بأن محاربة الإرهاب تبدأ من اقتلاع جذوره الفكرية وليس فقط التعامل مع نتائجه.
حادثة “زازو يوسف” ليست مجرد قصة لمؤثر ضل طريقه، بل هي مرآة لمجتمع يغرق في التفاهة ويتجاهل علامات الخطر. كما يقول أرسطو: “الشر ينشأ من الفراغ.” إن تركنا عقول أبنائنا عرضة لهذا الفراغ، فإننا نسهم في صناعة أجيال تحمل القنابل الفكرية التي ستحرق حاضرنا ومستقبلنا.
لذلك، علينا أن نتحرك الآن وبحزم، لأن عصر الخطر لا يرحم المترددين، ولأن إنقاذ أبنائنا من قنابل الفكر أهم من أي شيء آخر ويتطلب يقظة الجميع.