بقلم: زكية العروسي
ما زالت نسائنا على عهدهن مع عبارة “حاشاك”، او عبارات من قبيل ( أكرمك الله) أو (أعزك الله) على عادة آبائنا وأجدادنا، عبارة كنت احسبها قد ضاعت فيما ضاع من ذخائر تراثنا وكنوز من “فن الكلام والبلاغة في دارجتنا المغربية”، والغريب في الأمر أن ” حاشاك” تقدم تفسيرا تاريخيا في رؤية الرجل الثاقبة لامور المرأة و”قرينتها الدابة”، وتضيء لنا جانبا دقيقا وحرجا من التناقض في شخصيته. عبارة ابتدعها الرجال، لكي يتركوها جانبا او ينبدوها باعتبارها تتنافى مع جمالية لغتهم وشاعريتهم، فاستعمالها لن يزيد كلامهم. واناقة خطابهم إلا تطويلا من غير فائدة، فهم لربما عارفون بقول ابي هلال العسكري”التطويل عِيٌّ. لأن التطويل بمنزله سلوك ما يبعد جهله بما يقرب”.
وبذكاء، يتفادى “رْجال اليُوم” ذكرها – على عكس الآباء والأجداد من جيل آخر- وهم يتحدثون عن الدواب والمراة، ويميلون إلى الإيجاز في وصف هذه الاخيرة التي يقسم كل واحد منهم للوفاء لها مهما كان لونها أو شكلها.
فقد قفز رجالنا قفزة نوعية في استعمال عبارة “حاشاك” ، فكم هي المقاهي والمجالس التي يتعالى فيها صهيل الأصوات ونسمع “هذاك الحمار دار لي او فعل لي” من دون” حاشاك”
ما اريد ان اشيد به ل”رجال اليوم” انهم تخلصوا من ثابوت هذا الإرث، ولم يسقطوا في فخ آبائنا وأجدادنا “المرا حاشاك”، فلم يعودوا يحكون عن المرأة على السنة البهائم فقد ابتدعوا مكانها اسلوبا لائقا باناقة لسانهم، وفي نمط فني فريد “هاذيك خيتي” أو “هاذيك”، فستروا ما تبقى ان يستر من الجهالة، لتنوب عنهم المرأة في هذا وهي تتحدث عن طهارتها “راني مريضة حاشاك”، أو ” الحمار حاشاك”، و” الكلب حاشاك”.. عبارات اندثرت من حوارات الرجال ليلبسها لسان المرأة، تاركين لها : الجمل بما حمل”
كلما التقيت في “الميترو” او بسوق الخضر والفواكه -الذي يبعد عن منزلي بساعة- بنساء جنسي إلا وجدتهن تثقن صنعة الكلام البهائمي على انفسهن اكثر من نساء الوطن.، فلم تغب عنهن رغم سنين الهجر وامتزاج اللسانين العربي والفرنسي الحديث عن المرأة كبهيمة -عكس الرجل- ” انا فاطر ة اليوم علي حرمان الصلاة حشاك” أو أخرى وهي تحكي عن انتشار الكلاب الضالة ” أكثرو الكلاب حاشاك”، او ظاهرة العهارة المنتشرة بالمغرب فتعبر كالتالي:” فين ما امنيتي ابنتي كتلاقاي هاذوك الموسخات حاشاك” أو ” فيما كانت شي موسخة حاشاك ولات ك….”
استعمالات متتالية ل”حاشاك” وجهتني إلى التساؤل عن هذا التأثر وحفاوة بعض نسائنا بعبارة هي للبهيمة، فكيف لنساء لا عهد لهن بمنطق الحيوان، ولم يطلعن على “كليلة ودمنة”، وليست لهن فكرة ضيقة ولا شاسعة بالادب العربي وما حفلت به امثال العرب من حكايات على السنة البهائم والطير والحشرات، وربما لم تطلعن على قصص ” جون دو لافونتين” ان تتشبت بهذه العبارة التي صعقت فخري وانوثتي في مراهقتي وانا استمع لشيخ من شيوخ برلماننا المغربي الموقر، من مدينة “الحسيمة” وهو يخاطب بني جلدتة من البرلمانيين “المتنورين”، ويقول: “المرأة حاشاكوم” ليكون لهذه العبارة وزنها وثقلها كقناطير مقنطرة من الذنب والخطيئة أثقلت صدري،وقلبت راسا على عقب موازين عقلي الذي تجمد و “رَابْ” وسكن عن التفكير في جمجمتي الحمصية، خاصة وان العبارة انزلقت سلسبيلا دون اي تعليق من برلمانيين يسطرون ويترجمون حقوق “المرا حاشاك”.
لم اربط هذا بجهالة او جهل، بل قلت- لقلة وعيي أثناء المراهقة- : لربما انها مرتبطة بحكاية تحدث بها العرب منذ القديم، وكل ما هو مروي وسابق على زمننا له قداسته. فلا داعي لعرض رؤاي التي قد تدخلني الجحيم بطريقة “اوتوماتكية”. لكن استعمال هذه العبارة من طرف والدتي ونساء المهجر لذغت فكري، وعرت عن جانب ثائر بدواخلي من أوضاع ولغة مجتمع تقهر فطرة وكرامة وحرية المرأة بأسلوب يلوث أحواض التواصل المباشر بين شقين خلقا ليكملا بعضهما البعض.
منذ زمن المراهقة وانا احاول جادة فهم هذه العبارة والبحث عن اصولها في كتب التاريخ والبلاغة واللغة، للإيماني بان “حتى شيء ما يجي من عدم وله سببية”، فبحثت في النص القرآني ولم أجد سورة او آية مستعملة فيها عبارة ” حاشا” في مخاطبة النساء، بل حتى ان النص القرآني نهى عن الالقاب ، فقد ورد في سورة الحجرات، آية 11 :
“أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ”
وبحثت عنها في كتب الأدب واللغة (بالنسبة لاستعمالها في حق المراة)، فلم أجد لها اثرا، ليتضح لي بعد عمر طويل من البحث والتنقيب انها من صنيع فقهائنا الاجلاء، فقد ثبت عن رسول الله (ص) أنه قال: “يقطع صلاة الرجل إذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل المرأة والحمار والكلب الأسود”
فذكر الحمار والمرأة والكلب الأسود. يتطلب قول “حاشاك”، غير ان المراة دابة تفهم، ولا تكتب، ولأنها تفتن وهي قرينة الشيطان، والحمار ينهق، والكلب يروع، والكل يتلف الصلاة، ويقطعها، والامر سيان الإبطال من الصلاة وإعادتها بسبب المرأة، او قطعها، وعدم إكمالها والخشوع فيها، والالتفات إليها؛ فإن النساء في كلا الحالتين حبائل الشيطان، والكلب الأسود: شيطان، كما نص عليه الحديث. وكذلك الحمار؛ ولهذا يستعاذ بالله عند سماع صوته بالليل، لأنه يرى الشيطان.
فلا نريد أن نبتدع هنا، ولا ان نمس ديننا، ولكن نحن في البحث عن اصل “المرا حاشاك” في ثقافتنا المغربية فلا تنعتونني بما ليس من نواياي، فلن يكون لا من الإنصاف ولا العدل في شيء. فإن كان الطهر هو المقصود في هذا الحديث، فالمسألة ليست حكرا على المرأة، فلنقل كذلك” الراجل حاشاك” عند الحديث عن شق المرأة.
ولكن كيف لنا لهذا، وقد ” شهد شاهد من اهلها” ، لأعود لوعيي “ونتكمش في بلاصتي، وتضربني السبا” ، لأنني لم اجد لا تفسيرا ولا تبريرا، و” ما لقيت لا نضحك ولا نبكي” و ” نلقا راسي ندور في حلقة مفرغة ما تودي ما تجيب”
فقلت: اللهم المرأة العشق والهوى الشعرية والادبية، والمراة الشهوة في النصوص القرآنية كما في سورة آل عمران، آية 14: “زين لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ”
ولا “المرا حاشاك ” كما فهمتها من فقه ضرب عرض الحائط ما وصلت إليه هذه الاخيرة من تكوين وتثقيف علمي رفيع، وما أبانت عنه من أهلية وكفاءة واقتدار في توليها لمختلف الكراسي, ومتجاهلا لقول نبينا عليه الصلاة والسلام: ”النساء شقائق الرجال.”.. فقهاء قاموا بتفسيرات ذاتية، وذكورية، وغريزية لكل ما يتعلق بالمرأة واحوالها الحياتية والاجتماعية وحصر النساء في فروجهن مستغلين كل ما كنب من المرويات في تراثنا، والاحاديث الضعيفة والموضوعة والمكذوبة منها على رسولنا الكريم افضل الصلوات عليه، ليجعلوا من المرأة والدابة والكلاب سواسية في “الفضل” و”السوط” وفقا للحديث الذي أخرجه الطبراني عن رسول الله (ص) : ““علقوا السوط حيث يراه أهل البيت، فإنه أدب لهم”
ذنب المرأة في هذا انها خلقت إمراة لا حول ولا قوة لها في تفسير الفقه وكتابة الأحكام التي تتعلق بها، لأنها “مرا حاشاك” عورة، وغير طاهرة، وهي حبل من حبائل الشيطان ، مثلها مثل قرينيها “الحمار والكلب حاشاي وحاشاكم، وحاشا السامعين والقارئين” بلغة “المغاربة ديالنا”….