رسائل زكية لعروسي من باريس… لقد أعذر من أنْذَر وأنْصف من حذَّر

بقلم: زكية لعروسي*

أيها التيكتوك إنني اعاتبك والحرقة في صدري، وانا جد متعبة من مطاردتك لبني جلدتي وحبري، وكانك تتعمد إسكات ما تبقى من جماجم كتابات وأقلام عكفت رؤوسها، وتقوست ظهور اقلامها، وباتت في خبر كان؟

ماذا جرى ويجري؟ حتى يبدأ كتابنا وروائيونا يفكرون بكتابة روايات قصيرة واختزال الكلمات. وحذف الجمل المركبة والمزخرفة؟

لماذا تريد أن تقتل بي ما تبقى من حكايات الف ليلة وليلة ، وبطولات عنترة، وحلاوة “انا المتنبي”؟

لم يتبقى إلا هياكل الاقلام وأشباح الاوراق امام جهابدة الكلمة على منابرك ايها التيكتوك والانستغرام، مذ أصبحت “الصناديق” (الحاسوب) ـ (كما تسميها أمي خيرة الزجالة بالسليقة والعجيبة.. أم تُحسِنُ وصف الظواهر الاجتماعية اكثر من كتابنا) ـ تأخذ مكان المكتبات في البيوت: “ابنتي ما بقى ما يعجب.. هذا جيل قمش ما يحشم ما يرمش.. اقتربت الساعة مين ولات الناس تشوف حتى هاجوج ومأجوج في هاذ التيليفونات وهاذ الصنادق، وقراقيش بكاسكيطات حمر كتكلم وترقص.. والله يا بنتي إلا شفتهم بعيني.. كيخرجولي في هاذ الصندوق والتيليفون” كلمات لها وزنها ،اختزلت ما يمكن ان يكتبه عالم اجتماع في صفحات عدة، فماذا يحدث إذن ؟

زاد يأسي عندما حضرت منذ شهر لندوة لكتاب وروائيين ونقاد عرب ـ دون ذكر الأسماء ـ لمناقشة مشروع تقصير الرواية، واجتناب الثرثرة، وتمزيق بطن الادب والرمي ببعض أحشائه في النار الموصدة المختصرة، لعل وعسى أن يُرضون ذائقةَ قارئ تاه عن السطر المستقيم.

ما أحزنني اكثر حديثهم عن جهابدة التيكتوك ومقارنة اقلامهم بلغة الاختصار عند هؤلاء القاصين والروائيين الجدد. أن يموت القلم موتة البطل قد يكون فيه متعة ولكن ان يموت جبنا واستسلاما فهو عنوان لمسرحية تراجيدية.. فلم الاستسلام لملحمة الضباب والتفاهة!؟..

نعم لتغيير قوانين لعبة الكتابة وعدم تحنيطها وسط ثابوت ثابث لا يقبل التحول، أوخلق صنم يحدد لعبة الإبداع وفق قالب لا يمكن الانزياح عنه، أو التحرر من حدوده.. ليصبح القلم والحبر للنخبة فقط، لا يترك المجال لأقلام أخرى تستقي حبرها من خمرة التجديد، ولحن الحرية، ولغة ينزل بها الكاتب من كرسيه الذي جعله منبوذا عند الشباب بالتطرق إلى مواضيع لا تمت بصلة إلى المعاناة وانشغالات تنسج واقعه.

لما ينشد كتاب اتحاد مغرب ما لا يفعلون؟ اتحاد كان يمثل في مراهقتي وانا بوجدة عين شمس الثقافة والكتابة عبر مجلة “آفاق” ألتي كنت انتظر صدورها ـ”بحال هلال العيد”ـ حتى يمسي في قفص الاتهام وبين دروب المحاكم كباقي المجرمين.. ناهيك عن إسم ليس بمسماه له “ريحة الشحمة في الشاقور” من الاتحاد.. والذي يجب ربما تغييره حتى لا تنصبَّ عليه لعنات زمن أخرى.

فليفكر متنورونا من الكتاب في طريقة نشر أخرى، والخروج من ثابوت الاتحاد لنشر إنتاجاتهم الأدبية بطريقة سليمة دون عُقَد المناهج النقدية عند النقاد، لِمَ تُتَناول القضايا النقدية في كتب يصل في بعض الأحيان عدد صفحاتها إلى 600 صفحة أو ما يزيد؟ شيء يمكن القيام به وبطريقة محكمة في مقال أدبي عبر جرائد إلكترونية، تقينا شر التبدير والثرثرة ، والسقوط في الغموض من اجل الغموض (عقدة ونقطة ضعف اقلامنا).؛ ولماذا يغرق قاصونا وروائيونا القارئ بتوصيفات بلغة رسمية ليست في متناول الجميع وإلا سيكون مصير اقلامنا الموت والهلاك على رفوف مغبرة.رفوف بدأت تتهالك وتندثر هي كذلك لتعوض بالمآثر الفخارية فيكون بذلك أدباؤنا هم حافرو ارماس اقلامهم بأيديهم، ليأخذ مشعل الكتابة سلامة أسامة آخرون ويفعل المثقفون بأنفسهم مالا يفعله جاهل لا يعرف نفسه او عدو في عدوه.. فقد “أعذر من أنذر، ولكل ذي عذر أجله ”

*شاعرة مغربية مقيمة في فرنسا