المسؤول الذي نقض غزله (سعيد بوعيطة)

لما تمكن اليأس من السيدة ريطة بنت عمرو التي ورثت المال الكثير، عاشت حياتها معزولة بين أربعة جدران، حتى بلغت من العمر ما جعلها دميمة، فضرب بها المثل ‏في اليأس والبكاء. كما شكل موت والديها، وسقوطهما من حياتها، نقطة تحول سيئة، فتحكم فيها اليأس بشكل رهيب، و تجسد فيها حتى ضرب الله بها مثلا من خلال الآية الكريمة: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (سورة النحل، الآية 92).

لقد جعل الله هذه المرأة عبرة موعظة للناس الذين ينكثون العهود بعد إبرامها، ولأصحاب المواثيق الذين يعيشون بعيدا عن أمور البلاد والعباد، والذين يتراجعون عن التزامهم اتجاه الناس والمجتمع بعد تحملهم مسؤولية القرار وكذا العقد والحل. لهذا، شبههم القرآن الكريم بناقض الغزل من بعد قوة. وعليه، يتأكد للملاحظ أن ما يحدث في بلادنا اليوم من قبل بعض المسؤولين، شبيه بعمل هذه المرأة الخرقاء التي نقضت غزلها.

المسؤول الذي نقض غزله

في عصرنا الحاضر، هناك خطر كبير يسببه نقض الغزل من قبل بعض المسؤولين وأصحاب القرارات في كافة المجالات. ليس لكون اليأس قد تمكن منهم على غرار السيدة ريطة بنت عمرو التي ضرب الله بها مثلا، لأنهم يعيشون ”فوق فكيك” كما يقول المغاربة، ولن يجد لهم الياس سبيلا، بل بسبب الفشل الذي لازمهم، سواء بقصد أو بدونه، كما لازم مسؤولي الحكومات السابقة. فانطبق عليهم ما اراد الله أن يفهمه لعباده بأن يكونوا حذرين من الوقوع في هذا الذنب، وينقضوا عهودهم.

فكل ما تدعيه أغلب الحكومات عبر تاريخها الطويل، لا أساس له في واقع المواطن، ولا حكومة اعترفت بإخفاقاتها، أو على الأقل بفشل بعض برامجها لسوء تدبير مسؤوليها لهذا القطاع أو ذاك. وهذه بالذات، هي مشكلة الحكومة، ومشكلة الناطق باسمها، ومشكلة الإعلام والصحافة. ولعل خير مثال على ذلك، الأحداث التي عرفتها مسيرة شغيلة الصحة يوم الأربعاء 10 يوليوز 2024، والأساليب غير السليمة للمعالجة. وإذا كانت هذا الأساليب غير مستساغة في مغرب القرن الواحد والعشرين، فإن استعمال خراطيم المياه أشد خطورة في زمن ندرة الماء.

خراطيم المياه في عز الأزمة

على الرغم من التدخل الأمني لفض المسيرة الاحتجاجية السلمية التي نظمتها الشغيلة الصحية، في إطار برنامج نضالي مستمر منذ شهر يناير الماضي للتنسيق النقابي في القطاع الصحي، للتعبير عن حقهم المشروع في التظاهر والتعبير الحرعن مطالبهم، فقد لجأت الحكومة متمثلة في أم الوزارات للمقاربة الأمنية في التعاطي مع احتجاجات الأطر الصحية، مما جعلهم يتهمون الحكومة بالفشل في الوفاء بالتزاماتها السابقة ونقض غزلها، وما صاحب ذلك من تدخل عنيف وغير مبرر استهدف احتجاجات سلمية دفاعا عن حقوق موظفي قطاع حيوي. ومهما يكن، فنحن في هذا السياق، لا نلق اللوم على أم الوزارات لأنها عبد مأمور، لكن الأمر الذي لا يستساغ هو ذلك الفيديو الذي انتشر على نطاق واسع بخصوص المقاربة الأمنية لهذه المسيرة. خاصة أن المغرب قدم في الآونة الأخيرة صورة إيجابية عن نفسه، صورة مبنية على الحوار بمفهومه الشمولي الذي يتجاوز التصادم والعنف بكل أشكاله (بما فيه الحوار الاجتماعي)، على المستوى الوطني والإقليمي والعالمي. مما اكتسبه قو ة ديبلوماسية على المستوى العالمي، من خلال تدبيره السليم للمفاوضات و السياسة الخارجية، في إطار القانون الدولي وإدارة علاقاته الرسمية ضمن النظام الدولي بشكل سليم. مما أكسبه قوة ديبلوماسية مؤسسة على مجموعة من الأسس الصلبة. تتميز بوضوح الرؤيا والاتزان، والواقعية ودعم الشركاء، والتأني والحذر وعدم التسرع في اتخاذ القرارات، والاحترام المتبادل والشفافية.

لكن إذا كانت هذه هي الديبلوماسية المغربية التي لا غبار عليها، فلماذا يغيب الحوار في مثل حالة الأطر الصحية؟ ألا يمكن لفيديو فض هذه المسيرة، التأثير بشكل سلبي على هذه الديبلوماسية المتقدمة؟ وإذا تجاوزنا معضلة الحوار (الحاضر/ الغائب)، فإن استعمال خراطيم المياه لفض هذه المسيرة، أمر غير مستساغ في زمن الأزمة المائية التي يعرفها المغرب اليوم، وتبجح المسؤولين بالتوعية التامة للمواطن فيما يخص الشأن المائي، وإمكانية استعمال قوة القانون أحيانا من أجل الحفاظ على ما تبقى من المخزون المائي. فلماذا هذه الخراطيم التي استعملت، و على عينيك يا بن عدي كما يقول المثل المغربي. فهل نحن أمام مسؤول نقض غزله؟ أم أمام مسؤول انطبق عليه المثل المغربي المعروف ”اللي حرثو الجمل دكو؟ فسواء نقض هذا المسؤول أو ذاك غزله، أو قام بما قام به الجمل، فالأمر سيان. لأن التجارب الميدانية أكسبت هذا المثل المصداقية من حيث كونه يشير إلى ضرورة اختيار المسؤول للوسائل المعتمدة من حيث نجاعتها ضمانا لتحقيق الأهداف المنشودة (التنمية المستدامة). لأن مغربنا اليوم ، لا يحتاج إلى ذلك المسؤول الذي ينقض غزله، ولا للذي يشبه الجمل في مهامه، لكن إلى من يسير بالبلاد والعباد نحو النمو والتنمية المستدامة على جميع المستويات.