في البحث عن المواطن الإيكولوجي (سعيد بوعيطة)

الحديث عن البيئة حديث ذو شجون كما يقال. لأن البيئة التي نعيش فيها اليوم، بيئة أفسدتها أفعال الإنسان وسلوكياته السلبية. فإذا فسدت البيئة، فسدت الحياة برمتها. ولأن مظاهر الفساء بادية للقاصي والداني، فإن معضلة البيئة، أصبحت الشغل الشاغل للعالم اليوم. كما أن الجانب الديني عامة، بما فيه الإسلام، بمنهجه الرباني، ليس بعيداً عن هذه المعضلة الشائكة. لكن الإشارة إلى المعطى الديني في هذا السياق، لا يعني أننا نسعى لتقديم درس في التربية الأخلاقية (لأن هذا ليس من اختصاصنا)، بقدر ما نؤكد من خلاله على أن إعادة بناء منظومة القيم بأبعادها المتعددة، تعد من بين أهم أسس بناء المجتمع السليم. ونظرا لوعي المسؤولين التام بهذه المعضلة، فقد سخروا لذلك وسائل عدة ( إعلامية، تربوية، دينية،…الخ). حيث تعضد الجانب الإعلامي، بالجانب التربوي، والجانب الديني ( الارشادي)، من خلال الدروس الدينية داخل المساجد، وما تحمله الخطب المنبرية (الجمعة) من قضايا البيئة. قصد بناء مواطن إيكولوجي ملتزم، ومسؤول عن بيئته، وحاملٍ للقيم والوعي البيئي. يستحضر مصلحته القائمة، ومصلحة الأجيال اللاحقة. فإلى أي حد استطاعت هذه الجهود الإعلامية، والتربوية والإرشادية (الدينية)، بناء وعي متين خاص بقضايا البيئة؟ وهل ساهمت في بناء مواطن إيكولوجي بكل ما تحمله الكلمة من معنى؟ أم نحن قوم نقول ما لا نفعل؟ و ينطبق على أذاننا المثل الشعبي المتداول ”يدخل الكلام من أذن ويخرج من الأخرى”

المدرسة وبناء مواطن إيكولوجي

تزخر مقرراتنا المدرسية بجميع أسلاكها (الأولي، الابتدائي، الثانوي الإعدادي، والثانوي التأهيلي)، بتصورات ورؤى عدة. تسعى إلى بناء مواطن إيكولوجي. يتعامل مع البيئة ومكوناتها تعاملًا يتسم بالرشد والعقلانية، سواء على المستوى الفردي أو الجماعي. حيث لا يقتضي بناء مواطن إيكولوجي على المستوى التربوي، شحن عقول التلاميذ بالمعلومات والمعارف والمهارات المرتبطة بالبيئة، بل أن تتحول المدرسة إلى مختبر إيكولوجي. ينمي المتعلم من خلاله كفاأته وسلوكياته التي تسمح له باحترام وسط العيش المشترك. ولأن المرحلة العمرية التي يوجد فيها المتعلم تكون حاسمة في تكوين سلوكياته ومواقفه اتجاه البيئة، خصوصًا أنها ترتبط بمرحلة النمو والمراهقة، فإن المعارف التي يكتسبها الفرد في هذا العمر، بالغة الأثر في سيرورة تنشئته الاجتماعية. لأن الإنسان لا يعتمد في علاقته مع الطبيعة، ومع باقي الكائنات على مؤهلاته العضوية والفيزيولوجية، بل يستند إلى استخدام عقله ومؤهلاته الفكرية والذهنية. لكن هل ساهمت المدارس الإيكولوجية (التي يزخر بها المغرب في السنوات الأخيرة)، والتوعية المستمرة بخصوص أهمية البيئة، وتجنب تلويثها، في بناء مواطن إيكولوجي؟

على الرغم من نظافة أغلب المدارس واهتمامها بالبرامج الإيكولوجية، فإن الكثير من السلوكات لا تعكس التحقق الفعلي التام لهذه التربية البيئية. تجلت أبرز مظاهر هذه السلوكات في الآونة الأخيرة، في مختلف مظاهر العنف والفوضى المرتبطة بظاهرة تمزيق الكتب والكراريس في ساحات المدارس وأمام أبوابها وفي الشوارع العامة المحاذية للمدارس، بمجرد نهاية السنة الدراسية. فلمن ” تحكي زابورك يا داود”؟ فعلى الرغم من التوعية التربوية، فإن أسباب عدة، تساهم في إعاقة هذا الوعي البيئي. أبرزها ما يتعلق بطبيعة التلاميذ أنفسهم (ظروفهم العامة/ الأسرية و السوسيوإقتصادية) التي تشكل جزأ أساسيا من تنشئتهم الاجتماعية إلى جانب المدرسة، ومنها ما تعلق بخصوصيات المجتمع والتطور الحاصل فيه في مجال وسائل التواصل الاجتماعي. مما يستوجب حسب بعض الأخصائيين معالجة مثل هذه الظاهرة بتكثيف الأنشطة الثقافية والرياضية والبيئية خلال الموسم الدراسي. لأن الطفل المتشبع بقيم الحس البيئي والمحافظة على المحيط، لا يتجرأ على أفعال تمس بنظافة الوسط التربوي وما يحيط به من فضاأت.

الفضاء الديني والوعي الايكولوجي

ثمة العديد من الفضاأت العموم المختلفة (الأسواق الشعبية، الساحات العمومية (جامع الفنا التي نزورها بين الفينة والأخرى)، أبواب المساجد) التي تعاني، مما تعانيه فضاأت المدارس ومحيطاتها، جرا السلوك غير السليم للإنسان. يبرز ذلك فيما يخلفه الباعة المتجولون الذين يعرضون بضائعهم أمام أبواب المساجد التي من المفروض أن يحترم المصلي حرمتها ومحيطها الذي لا ينفصل عن هذا الفضاء المقدس (المسجد). لأن الدين الإسلامي الذي تعد الصلاة عماده وركنه الأساس، سلوك في حد ذاته قبل أن يكون طقسا، أو ربما رياضة يمارسها البعض خمس مرات في اليوم، لمجرد أنه وجد أباءه يفعلون. إن الدين أشمل من ذلك. فعندما ذهب أبو موسى الأشعري رضي الله عنه الى البصرة باعتباره واليا، خطب في الناس قائلا: “إن أمير المؤمنين عمر بعثني اليكم، أعلمكم كتابكم، وسنة نبيكم، وأنظف لكم طرقكم”. يتقاطع خطاب أبي موسى الأشعري مع ما روي عن أبي هريرة أن رسول الله(صلى الله عليه وسلم) نهى أن يبول إنسان في مصدر للمياه أو في الطريق أو في ظل أو في جحر. مما يؤشر على أن هذه القيم الدينية، جزء محوري من التربية البيئية/ الايكولوجية.

فهل نحن على وعي بذلك؟ أم بمجرد أن يستشهد الإمام ببعض الآيات القرآنية في هذا الشأن (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) النمل: 88. ليؤكد على أن تصرف الإنسان الأناني وجهله وعدوانيته، يدفعانه إلى تخريب البيئة والفساد في الأرض على مر الأزمنة والعصور (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) الروم:41. حتى ينتشر الناس (المصلون وغير المصلين) في محيط المسجد، منادين بأعلى الأصوات لإشهار بضائعهم، مخلفين ورائهم مغلفات المنتجات، وبقايا ما تذوقه الزبائن من فواكه (التي أصبحت عادة قبل الشراء)، اعتقادا منهم أن واجب الصلاة قد قضي، وأن الحسنة قد تبثث في كناش الحسنات، وأن ما لله قد تم، وبقى حق ما تشتهيه الأنفس قائما دون ضوابط، ولا وعي إنساني بأهمية المحيط والفضاء المشترك. فهل نحن مواطنون لنا قابلية التحول إلى مواطنين إيكولوجيين من خلال مختلف وسائل التوعية والإرشاد؟ طبعا لسنا كذلك. هذا ما يؤشر عليه واقع حالنا ووعينا على السواء، ولكم واسع النظر.