بوجلود و الستوريتيلينغ … (كتبه: أيوب العياسي)

نحن الحكواتيون في الأصل. رواد الحلقة والبساط وروايات الأزلية والعنترية وألف ليلة وليلة. لسنا في الحاجة لأن نستورد “الستوري تيلينغ” من الغرب. فلقد ابتدع الغرب هكذا آليات حين نهج الاستشراق، وكانت له العبقرية في أن يستخدم تقنيات الحكي والإمتاع والمؤانسة، في جلب وترويض جماهير متعددة، بنفس الطريقة التي فعلت شهرزاد، للإفلات من قطع رأسها من طرف شهريار.

هناك في المغرب، أعراف وتقاليد وثنية توارثتها الأجيال، في الأرياف والقرى. وهي تعود إلى عهود ماقبل الإستقرار على ديانات التوحيد، والإسلام خاتمها. من ضمن هذه الأعراف والظواهر الماقبل مسرحية، هناك بوجلود، الذي نرى الإحتفال به يستمر، وهو شيء يجب التعامل معه بإيجابية. وألا نترك المجال لنقاشات جانبية، تريد أن تلصق بهكذا إحتفالات، إسقاطات أخلاقية وجنسانية، لا مجال لها في مثل هذه الظواهر، التي جعلت من القناع والماكياج ذريعة للبسط وتسليط الضوء على المخفي، في التعاملات والعلاقات اليومية الرونتينية.

إذا كان للغرب “هالوين”، التي صارت إحتفالا قائما، لدى بعض الطبقات في مجتمعنا. فلماذا لا يكون لنا بوجلود، الذي يمكنه إذا تم تسويقه بأدوات الحكي وبهاراته العصرية أن يصير ذريعة لزيارة المغرب و قراه التي تشهد هذه الإحتفالات؟! كما يمكنه أن يكون سببا جميلا لأن نحكي المغرب للعالم. ولكم أن تتصوروا عدد القمصان والتذكارات والأقلام والملصقات…، التي يمكن الترويج لها من خلال هذه المناسبات، على منوال “هالوين”!

إنه ما يسمى بالمودلينغ، المرتبط بإنتاج وبيع التذكارات، الحاضر في صلب كل “هابنينغ”، أي التظاهرة أوالإحتفالية الفنية والثقافية. هذا هو العمل الحقيقي لصناعات ثقافية متينة، هو أن يتم بيع هذه الحكايات للعالم، وغيرها من الخصوصيات الثقافية المحلية. وأن تكون ذريعة جميلة لتسويق الثقافة المغربية، بمختلف روافدها للعالم بأسره. كيف؟   وبأية طريقة وشكل؟ وما الرموز والأشكال التي نريد الحفاظ عليها؟ وما القيم التي نريد تداولها من خلالها؟

هذا هو ماتحدده سياسة ثقافية محكمة، تجيد التعامل مع التراث، من خلال تمحيصه وتثمينه والإنتقال به من مجرد فولكلور، وعرف يمارس بشكل تلقائي، يقارب العشوائية في غالب الأحيان، إلى تظاهرات منظمة، تخدم في ذات الآن إقتصاد الثقافة والإحتفاء بالهوية الوطنية.

وغير بوجلود، هناك سيد الكتفي وهرما ولبساط و إمديازن وأورارن وآهال وسلطان الطلبة…. وهي كلها، قبل أن يطلق عليها لفظ الظواهر الماقبل مسرحية، ظواهر سوسيولوجية وغنى أنتروبولوجي، يختزل عمق الإنسان المغربي، وتعدد مشارب ثقافته وعلاقته بالفرح والإحتفال. وهي احتفالات ترتبط بالأعراس ومواسم الجني والحصاد والأسواق الأسبوعية وأضحيات العيد، كما ترتبط أعياد النوروز الإيرانية، أو رأس السنة الإيرانية، ببداية فصل الربيع. لهذا على السوسيولوجيين والأنتربولوجيين، أن يساهموا في تحليل مثل هذه الظواهر، لإعطاء مادة خام للفنانين والحكواتيين ومنظمي التظاهرات، للإنتقال بها إلى هابنينغ، يشتغل على المحلي ليخاطب الكوني. وذلك من خلال مخاطبته للإنسان، بغض النظر عن معتقداته الدينية وإنتمائه العرقي.

وعلى ذكر سلطان الطلبة، يحكي، في مقال منشور، أحد المشاركين في مسرحية سلطان الطلبة، تأليف عبد الصمد الكنفاوي بمشاركة الطيب الصديقي -رحمهما الله- وإخراج الطيب الصديقي، أن الملك الراحل الحسن الثاني طيب الله ثراه، بعد تقديم عرض المسرحية بالمسرح البلدي بالدار البيضاء، خلال الستينيات من القرن الماضي، صعد جلالته للخشبة لتهنئة الممثلين والمؤلفين، وإبداء ملاحظات دراماتورجية دقيقة، عن مضمون وشكل المسرحية التي لاقت إستحسان الملك. وبعدها، خاطب الوزيرين اللذان رافقاه باللغة الفرنسية، قائلا ما مضمونه أن المسرحية يجب أن تحول إلى فيلم سينمائي، حتى وإن كلف ذلك سبعمائة مليون سنتيم … “حتى يتعرف العالم على خصوصية المغرب”. هكذا عبر الملك الراحل، على فكرة تشهد على عبقريته واستشرافه للمستقبل، مازالت لم تشهد النور مع الأسف!

لكن السينما المغربية تطورت بشكل كبير، منذ إطلاق صندوق دعم الإنتاج السينمائي الوطني. غير أن السؤال يبقى مطروحا، هل كل الأفلام التي تنال مئات السنتيمات من الدعم اليوم، قادرة على التعبير عن الخصوصية المغربية؟ هل تجاوزنا تقديم النظرة التي يريدها الغرب عنا، إلى إيصال النظرة التي نريدها أن تعبر إلى العالم؟ هذه النظرة التي إسمها تامغرابيت، بكل مقوماتها. والتي ليست فولكلورا فقط! وإنما أفكارا وخصوصية ثقافية، وقيما منفتحة على لبوس الحداثة وما بعدها، خارج اجترار سلع الآخرين وبحمولة تتجاوز صنع الأغلفة والعلب.