بقلم: د. عبد الدين حمروش
تقع على ربوة مطلة على زاوية من سهل دكالة الفسيح. ومما يزيد موقع الدار بهاء بانوراميا، أن على يساره يجري نهر أم الربيع الخالد.
الموقع مختار بدقة وعناية، ليكون قصبة/ قلعة عسكرية، يرابط فيها العسكر السلطاني، من أجل إخماد ثورات القبائل، وبالتالي ضمان استمرار ولائها للسلطة المركزية.
بناء القصبات في أكثر من منطقة، كان سياسة “عسكرية” قائمة، لجأ إليها السلطان المولى إسماعيل. ولربط الطريق بين فاس ومراكش، جاءت القصبة المسماة إحالة إلى منطقة بولعوان “قصبة بولعوان”. ولدى السكان المحليين، عادة ما تأخذ القصبة اسم “دار السلطان لكحل”، أي المولى إسماعيل الذي عرف بلون بشرته الأسمر، والذي ورثه عن أمه السوداء.
القصبة ماتزال تحتفظ بشموخ بنيانها وضخامته، على الأقل بالنسبة لسورها الخارجي، الذي يتوسطه باب ضخم في غاية الإتقان والفخامة، حتى لكأنه باب من أبواب فاس أو مكناس.
وبالإضافة إلى ان القصبة من بناء السلطان المولى إسماعيل، في مرحلة تاريخية صعبة، حيث كان تأسيس الدولة قائما على قدم وساق، وحيث كان الجيش السلطاني متأهبا للاستمرار في تحرير المدن البحرية، الواحدة تلو الأخرى، من أيدي الإسبان والبرتغال والإنجليز، فمن المحتمل أن منطقة بولعوان، ككل، عرفت، في أزمنة سابقة، زيارة الحسن الوزان “ليون الإفريقي”، وفي زمن لاحق عرفت القصبة/ القلعة ذاتها زيارة المستشرق الفرنسي إدمون دوتيه.
غير أن القصبة ستشهد زيارة خاصة، من قبل الكاتب الفرنسي الشهير، أنطوان دو سانت اكسبيري، الذي سيؤرخ لها بتسمية أحد كتبه غير المكتمل (تحريرا) باسم: القصبة (La Citadelle). وبالموازاة مع “الشرف” الذي نالته القصبة من هذه التسمية، فإن شهرة الكاتب اكسبيري، الذي زارها وسمى باسمها كتابه، قد جعلها مقترنة باسمه في المقابل. لا يذكر الكاتب الفرنسي، صاحب ثاني أشهر كتاب بعد الإنجيل، أي “الأمير الصغير”، إلا وتذكر قصبة بولعوان أيضا.
ماتزال القصبة تحتفظ بهيكل بنائها العام. وما تحتاجه، هو ترميمها، وفق ما وجدت عليه، أول مرة، حتى تظل معبرة عن قوة سلطان دوخ المغرب والعالم، وعن تاريخ وثقافة مرحلة مغربية فاصلة. ولكن، للأسف، وحتى اليوم، أي منذ أكثر من وزير تعاقب على وزارة الثقافة، ما فتئت القصبة تنتظر الترميم، الذي طال أمده، وبخاصة بعد “خروج” الميزانية المخولة للشأن ذاته.
كنا نقول دائما إن ثروة المغاربة الحقيقية في شعبها المبدع، وفي ما خلفه من مظاهر ثقافية وحضارية متنوعة، وفي مختلف المجالات. ولذلك، فمن العار أن تتعرض القصبة، التي تقع في القلب من هذه الثروة، والتي يمكن ان تشكل مزارا قويا لعشاق السياحة الثقافية، ولعشاق أدب سانت اكسبيري، أن تتعرض إلى كل هذا الإهمال المستمر وغير المفهوم.