كل من يتابع التقارير الغربية عن حرب اسرائيل على غزة، عبر القنوات والمواقع الإعلامية الدولية، سيلاحظ اصطفاف الرأي العام الغربي مع السردية الإسرائيلية. في معظمه، الحرب لم تبدأ الا يوم السابع أكتوبر. وهذا يعني تحاشي كل ما من شأنه ان يذكر بالممارسات الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني، ومنذ توقيع اتفاقيات سلام متعددة، من سلب للأراضي لصالح المستوطنين، ومن اقتحامات متكررة للمسجد الاقصى، ومن تضييق على معيش الناس البسطاء.
ان انسداد الأفق السياسي، دون الأمل الملموس في خروج دولة فلسطينية إلى الوجود، هو الذي أدى إلى طوفان الأقصى وليس غيره. وللأسف، هذه الحقيقة هي التي ظل يقفز عليها هذا الرأي العام الغربي، في أثناء قراءته للوضع الحالي المتفجر بالاراضي المحتلة. غير أن تتالي ورود صور جثث الأطفال والنساء والشيوخ، منتشلة من بين أنقاض البيوت المهدمة، منذ أكثر من شهر، صار يضغط على تماسك هذا الرأي. بموازاة معه، فإن الخوف من توسع نطاق الحرب على غزة إلى جهات أخرى، وبخاصة مع تململ دول محور الاعتدال، مما أصبح يجري من تطهير عرقي بحق الفلسطينيين، أخذ يفرض قراءة حذرة من قبل التحالف الصهيو- أمريكي.
والخلاصة الواضحة، أنه بعد التعثر العسكري، وتباطؤ وتيرته، في ظل التكلفة المدنيّة المهولة، جعل المساندة الأوروبية الأمريكية المطلقة للاجتياح الإسرائيلي تعلق في مأزق خطير. استفاقة الشعوب الغربية المتأخرة، بعد الذي جرى يوم السابع من أكتوبر، آخذة في الإعلان عن نفسها، عبر رفع الصوت الاحتجاجي تجاه آلة الحرب الصهيونية، تلك الموجهة، أساسا، نحو المدنيين الغزيين العزل. والاستفاقة المعنية، لم يعد يسلم منها نواب غربيون، إضافة إلى موظفين في السياسات الخارجية لبلدانهم، سواء عبر الاستقالة من الخدمة ام عبر توجيه الرسائل الاحتجاجية (حالة الموظفين الأمريكان لدى وزارة الخارجية).
ان انحسار دور دول محور الاعتدال، المتحالفة مع الولايات المتحده الأمريكية وتابعتها أوروبا، بات ينذر بحدوث الكارثة الكبرى، في ظل رفض إيقاف إطلاق النار المطلوب عربيا، وباستعجال. ولذلك، فكلما اشتد الضغط العربي، ومعه الرأي العام الغربي المتصاعد احتجاجه، في الشوارع والساحات، وفي ظل استحقاقات انتخابية قادمة قريبا، الا ووجد الحديث عن هدن إنسانية مؤقتة فرصته للظهور.
ان مقولة “الكيل بمكيالين”، المعبرة عن نفاق الغرب، وعن عدم صدق نواياه في ما يخص الالتزام بحقوق الانسان الكونية، لشد ما تظهر في الحرب الإسرائيلية المعلنة حاليا على الغزيين. ذلك أنه في الوقت الذي تتم فيه إدانة المقاومة الفلسطينية، ولو باعتبارها حركات تحرر وطني، يتم التحالف مع الاوكران، بتغطية مقاومتهم دبلوماسيا، وبالتالي الاعتراف بحقهم في صد التدخل الروسي بالسلاح. ولأن الحربين تجريان في ساحتين مختلفتين، غير بعيدتين عن بعضهما البعض، وبشكل متواقت، فمن الطبيعي ان تنفضح حقيقة الازدواجية الغربية، ومزاعمها حول الالتزام بمبادىء حقوق الانسان، وبكونيتها المفترضة.