للعام الثاني، على التوالي، تعبر اسبانيا، على لسان رئيسها (المؤقت حاليا)، بيدرو سانشيز، عن رأي “ملتبس” (أو بالأحرى محايد) بشأن الموقف من مغربية الصحراء. هذا الرأي المستعاد، للمرة الثانية، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، يثير تساؤلات أكثر من طرف. لنبدأ أولا بالجزائر، وضمنها جبهة البوليساريو، حيث الصحافة، هناك، انفجرت احتفاء بانقلاب الموقف الإسباني عن الصيغة المؤيدة للحكم الذاتي.
العودة إلى الصيغة الكلاسيكية، التي تدعو إلى إيجاد “حل سياسي مقبول للطرفين“، في القراءة الجزائرية، تشكل تراجعا إسبانيا ملموسا. وعلى الرغم من ان عددا من المتابعين الدوليين وجدوا في الصيغة الأخيرة هروبا من أي تورط إسباني صريح في“القضية“، لا مع هذا الطرف ولا مع ذاك، أي لا مع تأييد الحكم الذاتي ولا مع تأييد تقرير المصير، الا ان الطرف الجزائري أخذ الموقف الأخير على أنه تراجع عن السابق، أي منذ ان قررت حكومة سانشيز وضع حد للقطيعة مع الرباط، عبر تلك الرسالة التاريخية إلى العاهل المغربي، الملك محمد السادس.
بالنسبة إلى الطرف المغربي، فإن الصيغة، التي عبر بها عن الموقف الاسباني، هي صيغة مستعملة في قرارات الأمم المتحدة، ومن ثم فهي لا تستحق ان تقابل بأي اعتراض من الرباط، مادامت الأخيرة تقر بأهمية البحث عن مخرج سياسي متوافق عليه، حتى يتم طي الملف بشكل نهائي. الجديد الطارىء على هذا الموقف، في الفترة الاخيرة، هو إضفاء صفة “الواقعي” على هذا المخرج/ الحل، من قبل الأمريكان، في محادثاتهم الأخيرة مع زعماء الجبهة، وذلك في جنوح ملموس نحو تفضيل صيغة الحكم الذاتي، بصفتها خيارا واقعيا، بإمكانه ان يرضي جميع الأطراف.
ولكن، لماذا تقبل الرباط هذا التعبير الأممي المتداول، الآتي على لسان سانشيز، في كلمته أمام الجمعية العامة، ولا تقبله من فرنسا بالمقابل؟ ألم تصرح وزيرة خارجية فرنسا، كاثرين كولونا، لصحيفة لوماتان، في وقت سابق، مثلا، بأن الموقف الفرنسي واضح بشأن قضية الصحراء، وهو الموقف الداعم لمخطط الحكم الذاتي، على أساس واقعيته ومصداقيته؟ ولذلك، أليس من الموضوعي البحث عن توتر العلاقة بين باريس والرباط في “مكان” آخر؟ على كل حال، وباستثناء العبارات الديبلوماسية العامة، فإن مدريد لم تدشن قنصلية لها بالعيون (أو بالداخلة)، حتى ننتظر من باريس تدشين واحدة لها بالمثل.
من الواضح ان هناك تفهما مغربيا للاشتراكيين الإسبان، في “نصف موقفهم” من مغربية الصحراء. ولعلنا نلمس ذلك في إيجاد المبررات لهم، من خلال تقدير هشاشة الأغلبية الاشتراكية عندهم، سواء التي أنهت ولايتها على رأس الحكومة، أو التي تتأهب لتشكيلها في أي لحظة، إذا لم يتوصل الحزب الشعبي إلى جمع أغلبيته اليمينية الكافية، وبالتالي لم يستطع تشكيل حكومته المنتظرة.
من جهة أخرى، يمكن إحالة التفهم المغربي إلى بعض التصريحات، التي بات يدلي بها سانشيز، بين الفينة والاخرى، والتي مفادها دعم خيار الحكم الذاتي. من ذلك، ما قاله، مثلا، في حوار مع أحد التلفزيونات المحلية، من ان بلاده تتبنى موقفا إيجابيا من القضية، باعتبار المبادرة المغربية للحكم الذاتي “الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية لحل النزاع“.
من شأن المغرب ان يغض الطرف عن موقف“نص نص“، مثل المعبر عنه أمام الجمعية العامة، مؤخرا، لاعتبارات سياسية داخلية لدى الجيران الشماليين، أو لغاية تهدئة علاقتهم المتوترة مع جنرالات الجزائر، مادام الموقف الإسباني “على الارض“، في النهاية، هو لصالح المقاربة المغربية لملف الصحراء.
بخلاف الموقف الاسباني، الذي تطور كثيرا، بإضافة نقط إيجابية إلى رصيد الديبلوماسية المغربية، من منطلق المسؤولية الإدارية السابقة لمدريد على الصحراء، فإن الموقف الفرنسي ظل يراوح مكانه، مساندا للمغرب بشكل عام، ولكن من دون ان يتجاوز عتبة تلك المساندة المبدئية المحسوبة، مراعاة منه لقدر من التوازن بين الجارين الغريمين، وإن بات البعض يرى ان هذا التوازن صار أميل إلى الجزائر في عهد ماكرون.