كذبة مراكش الكبرى (بقلم: د. عبد الدين حمروش)

لا تكاد تمر زيارة لإحدى الشخصيات العالمية، دون أن يكون لمراكش ارتباط بها. نجوم الفن، والرياضة، والثقافة والموضة، لا ينقطع صبيب زيارتهم إلى عاصمة ابن تاشفين، خلال جميع فصول السنة، بما فيها الأشد حرارة. باختصار، لمراكش طعم، لون خاص. حتى حرارتها، وهي “تنعكس على الرؤوس، لا أثر لها غير آثار الرحمة على المدينة وأهلها. هكذا، غدا إشعاع المغرب مقترنا بمراكش، ولو أنها لم تعد عاصمة المملكة منذ عهود. المؤتمرات الدولية، والمهرجانات الفنية العالمية، بات عقدها حصرا على “الحمراء”. هل كان مجرد بدعة ان تصبح مراكش إحدى العواصم العالمية للسياحة؟

كل ما تم تسويقه عن مراكش صحيح. غير ان الواقع، ليكتمل نصاب الحقيقة فيه، وبشكل تام، لابد من بعض الاستدراك. ذلك ان مراكش اليوم، في الواقع، مراكشين: تلك التي تطالعنا من خلال وسائل الإعلام، عبر نقل المؤتمرات الدولية وزيارات النجوم العالميين، وتلك الأخرى التي تطالعنا بها، حاليا، عدد من شوارع المدينة وساحاتها المهترئة والمتسخة.

وإذا استثنينا مراكش الأولى، التي لا نعرف عنها شيئا، بحكم ان “رياضاتها” مغلقة على علية القوم، من السياسيين والفنانين والرياضيين ورجال الإعلام، فإن مراكش الثانية لا تتردد في أن تظهر لزوارها وجوهها القبيحة، لا من حيث شوارعها وأرصفتها وساحاتها، ولا من حيث مستوى تهيئتها العمرانية، وكذا نظافتها. ان جولة سريعة في “ساحة جامع الفنا”، التي تعتبر مركز الجذب السياحي الأول للمدينة، تحت الإطلالة الشامخة لصومعة الكتبية، كفيلة بأن تقدم لنا السيرة السيئة التي أصبحت عليها المدينة: كثرة الأوساخ، اهتراء مقاطع من أرضية الساحة، فوضى الباعة المتجولين، وأصحاب الدراجات والسيارات.

 

 

وبالإضافة إلى حاجة المدينة إلى صباغة ممرات الراجلين والارصفة، والتهيئة الجمالية للمحاور الطرقية والمدارات والساحات، عبر غرس الأزهار والأشجار والنباتات، فإن ما يزيد من تدهور الصورة السياحية ل “لحمراء”، تحويل أماكن (تشهد اقبالا كثيفا) إلى ورشات مفتوحة للأشغال العمومية.

لقد تناوب على تسيير شؤون المدينة مسؤولون جماعيون، من مختلف الاطياف السياسية. غير ان مسؤولية السيدة فاطمة الزهراء المنصوري تبدو الأكبر، من حيث التدهور الذي تشهده مراكش. المنصوري، ابنة مراكش، وابنة باشا المدينة لسنوات، جادة في مراكمة المسؤوليات، داخل حزبها في “الأصالة والمعاصرة”، وداخل الحكومة، وداخل الجمعيات المدنية، لكن دون ان يسفر كل ذلك عن أدنى خدمة ملموسة لمدينتها.

الجشع في ابتلاع المسؤوليات، الواحدة تلو الواحدة، والأخرى مع الأخرى، دون ان يقف المرء مع نفسه بوجه مكشوف وصريح لحظة واحدة: ان الذي لم يستطع ان ينجح في تنمية مدينة واحدة، كيف له ان ينجح في تنمية قطاع حكومي، عرضه وطوله البلاد كلها؟ المنصوري باتت من الوجوه السياسية الكبرى، التي لا تعد تصريحاتها وخرجاتها وانقلاباتها، لكن لا يعد لها نجاح واحد ملموس تذكر به. ولأن مراكش مرتبطة بالسياحة، باعتبارها القطب الأبرز فيها، فإن الجميع يشاهد المذبحة التي تتعرض لها المدينة على اصعدة عدة. فهل تنتظر مراكش دق ناقوس خطر من جهة ما، على غرار ما حصل في طنجة والرباط مثلا؟