عواصم للحدث الصحراوي: موسكو، كييف، برازيليا، لندن… لشبونة وبالي! (بقلم: عبد الحميد جماهري)

في عاصمتين متحاربتين، يكون حضور المغرب في قمة الديبلوماسية، ومبرهنا عن قدرة كبيرة على الإقناع: موسكو وكييف، الأولى استقبلت سفير المغرب بها، وأصدرت بلاغا عن هذا اللقاء، شمل تبادل المعطيات حول قضايا معروضة على مجلس الأمن وحظيت القضية الوطنية فيها بنصيب مهم، والثانية بعثت وزير خارجيتها للإشادة بالحكم الذاتي وإعلان الدعم له .
ليس في الأمر شيء اعتيادي بالنظر إلى المواجهة الجدية بين العاصمتين، بل يمكن القول إن المغرب استطاع أن يقدم دليلا على حنكة فريدة في تدبير ملفه الوطني في التحرك على هوامش حادة وضيقة مثل شفرة السكين، أو بين قطرتين، إن لمْ نقلْ بين رصاصتين..

ويحسب للمغرب أنه يدبر هذا الملف بدقة عالية، تكاد تكون من صميم الخرافة: كيف تنصت موسكو بدون أن تغضب كييف وكيف تنصت كييف بدون أن تغضب موسكو.
وهناك حس رهيف وعال جعل المغرب يستقبل وزير خارجية أوكرانيا، مباشرة بعد أن لقي زعيمه ورئيس دولته زيلينسكي ترحيبا خاصا في القمة العربية، واستطاع المغرب أن يوحي، بذكاء دقيق، بأن الزيارة ، إذا وقعت، فهي من صميم الموقف العربي الموحد من:

ـ أولا، الحفاظ على حياد العرب الإيجابي.

ـ ثانيا، التثبت بانسجام منطقه في التعامل مع القضايا الحدودية، وذلك بالتشبث بوحدة أراضي الدول، الأوكرانية منها والعربية على حد سواء، ثم إن موسكو لم تخرج صفر اليدين من قمة العرب، باعتبار أن محميتها السورية قد ربحت رهانا أضاعته منذ 2012 عندما طردت من الحرم العربي.

ثالثا، التشديد المغربي على التزام نفس المسافة من الصراع.

لا شك أن وضوح الرؤية، والقدرة على قراءة تطورات الوضع الدولي، كما حدث في 2016 في القمة الخليجية المغربية، تعطي المغرب مسافة استباق جيدة، أبان عنها في أولى لحظات الملف الأوكراني ـ الروسى: بموقف متوازن تارة يستدعي الغياب عن الجمعية العامة للأمم المتحدة وتارة أخرى يستدعي الإعلان عن احترام الوحدة الترابية للدول، وتارة ثالثة الانحياز إلى الحل السلمي، وتارة رابعة، التشديد على أن المغرب غير مشارك في الحرب بأي شكل من الأشكال، بعد أن كان قد تم الترويج لمشاركاته في تمويل الطرف الأوكراني في الحرب بدبابات أصبحت تمثل رقما صعبا في المعادلة الميدانية…

لقد دبر المغرب هذه الحرب، من زاويته الوطنية، بطريقة غاية في الفهم الذكي!

وفي بالي، في الزمن الموازي، تدور أطوار اجتماع اللجنة 24، وفي قلبها القضية الوطنية.. وعادة هو اجتماع دوري تعقد فيه لجنة الأربعة والعشرين حلقة دراسة إقليمية خلال الأسبوع الثالث من شهر مايو، إما في منطقة المحيط الهادئ أو منطقة البحر الكاريبي.

التشكيلة الحالية للجنة ليس فيها أعضاء كثر من مساندي الأطروحات الانفصالية، بل إن المعطى الواضح يؤكد على وجود حاضنة إقليمية داخل اللجنة للدفاع المغربي، وهي فرصة كذلك كي يعرف الحاضرون أن 100 دولة عضو في الأمم المتحدة (أي بأغلبية 7 أعضاء من مجموع الدول الأعضاء) يساندون المقترح المغربي، في حين هناك العديد من الدول التي تحضر، وقد فتحت تمثيلية لديبلوماسيتها في الأراضي المغربية بالصحراء…

في القارة الأوروبية، إضافة إلى كييف، هناك عاصمتان استقبلتا حدثين لفائدة الصحراء وموقف المغرب السيادي، هما لشبونة البرتغالية، باعتماد قرارات اللجنة المشتركة، ثم برفض الانصياع لمحاولات الجيران غير المشرفة لاستمالة البرتغاليين باتفاقيات لا يبدو أن لها مستقبلا، ثم لندن، التي عرفت محكمتها قرارا قضائيا نهائيا بالرفض اللارجعي الصادر ضد اتفاقية الشراكة المغربية البريطانية، أياما قليلة فقط بعد توقيع الحكومة المغربية ونظيرتها البريطانية، بالرباط، على إطار استراتيجي للتعاون، وامتداد لاتفاق التعاون الاستراتيجي الذي انطلق سنة 2018..

في البرازيل تواترت عناوين التفاهم المغربي البرازيلي، العميق، سواء على لسان الرئيس الجديد «دا سيلفا لولا»، وتنويهه بالسياسة الطاقية للمغرب منذ ساعات فقط، أو تعلق الأمر بمصادقة مجلس الشيوخ على التعاون في مجال الدفاع، وهو تعاون وقعت اتفاقيته منذ 4 سنوات، وقد صادق عليه مجلس الشيوح، أول أمس الخميس، بعد مجلس النواب في فبراير الماضي، وأهم منطق فيه هو الدفاع عن قاعدة احترام السيادة الترابية، وهوما يعني أن البرازيل تدرك بأن الدفاع عن الأقاليم الجنوبية هو قاعدة الدفاع في بلادنا، وتوقع على هذا المنطق توقيعا مؤسساتيا…

ومما لا تخطئه المناسبة هو أن دولتين من بين الدول المعنية بهذا الموقف العاقل والداعم هما من مجموعات «البريكس «، تنتصران للمجهود المغربي السلمي في التحرك الأممي، مقابل انكماش وضمور تحركات الدول المدافعة عن أطروحة الجزائر، وهي هنا جنوب إفريقيا، التي توجد محاصرة إذا استحضرنا كذلك موقف الهند والصين الداعم للوحدة الترابية للمغرب، من خلال دعم مجهوداته أو من خلال دعم قرارات مجلس الأمن الصادرة لفائدته..

هذا التوهج الوحدوي، الذي يتقدم بقوة وثبات، يعني تجاوز كل عراقيل وجهود الخصوم، مهما علا شأنهم أو صغر، في موضوع وحدتنا الترابية.
وهو تسليم بالقاعدة التي أعلنها ملك البلاد بجعل الصحراء «النظارات» التي ينظر بها إلى العلاقة مع الشركاء، ويعطيها أبعادا ديبلوماسية تشهد يوما عن يوم على نجاعتها ومردوديتها الديبلوماسية!