صدر للكاتب و الصحفي عبد الحميد جماهري مقال في موقع «العربي الجديد» بعنوان «تقسيم دي ميستورا وزوبعة صحراوية». و نظرا لأهمية المقال في فهم خلفيات هذا «المقترح» الجديد القديم، نعيد نشره بالكامل.
بقلم: عبد الحميد جماهري
أثارت جملة فريدة أوردتها أخيراً وكالة رويترز، تخصّ قضية الصحراء، زوبعةً كبيرةً في الرأي العام المغربي، وتتالت الكتابات وتصريحات المحلّلين ورجال السياسة والإعلام، غضباً تارة وتحليلاً تارة أخرى، وكان جوهر الموقف هو الرفض المشوب بكثير من الاستغراب. ففي سياق متابعة المناقشات السرّية، التي تعرفها القضية كلّ عام في أكتوبر/ تشرين الأول، داخل أروقة مجلس الأمن، قبل صدور القرار المعتاد، نشرت الوكالة جملةً تقول إنّ المبعوث الخاص للأمين العام، الإيطالي السويدي، ستيفان دي ميستورا ”اقترح تقسيم إقليم الصحراء بين المغرب وجبهة البوليساريو”، وهو الموقف الذي سبق أن تقدّم به سلفه الأسبق جيمس بيكر عندما كان يتولّى مهمّة المبعوث الشخصي للأمين العام الأسبق كوفي أنان قبل استقالته، وعرض هذا المقترح، في 1002، فرفضه المغرب رفضاً قاطعاً، وقبله وقتها الرئيس الجزائري الراحل عبد العزيز بوتفليقة، في رسالة له صارت من وثائق الأمم المتّحدة، ودعمته الجبهة الانفصالية البوليساريو.
ماذا قال دي ميستورا بالضبط، خارج هاته العبارة التي بَأَّر بها مقترحه، كما يقول أهل اللسانيات؟ … أولاً، لم تكن الجملة يتيمةً، بل أفرد المبعوث الخاص لأنطونيو غوتيريس، ثلاث فقرات كاملة، في تقريره الذي قدّمه إلى الأمين العام، عن نزوعه نحو فكرة التقسيم. وهو لم يُخْفِ أنّه تناقش في الموضوع “رسمياً وبشكل موسّع مع الأطراف المعنية ومع بعض الدول في المنطقة”. ثانياً، أسّس دي ميستورا مقترحه على التصوّر الذي بني عليه الاتفاق الإطار بين المغرب وموريتانيا في أواخر السبعينيّات. ثالثاً، يقوم التقسيم على قاعدة إنشاء دولة مستقلة في الشطر الجنوبي، واندماج الشطر الشمالي في المغرب، وهو ما اعتبره “عملية جمع بين مطالب الاستقلال ومقترح الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية”. رابعاً، قال المبعوث الخاص إنّ بعض الدول في المنطقة (لم يُسمِّها)، وفي غيرها، أبدت بعض الاهتمام بإمكانية تقسيم الصحراء، لكنّه لم يتلقَ أيّ تعبير عن إرادة الحفر في هذا المقترح وترويجه. خامسا وأخيراً، تأسّف دي ميستورا، وكتب يقول إنّ هاته الفكرة جديرة بالاهتمام، في إطار ما سمّاه ”الحلّ المحتمل المقبول من الجميع”، مضيفاً: “كنت مستعدّاً للعمل عليها”، واعتبر أنّ الوقت قد “حان بالنسبة لي ولكلّ مخاطبينا للعمل على استغوار السبل الملموسة” التي يتصورّها المغرب للتقدّم في مناقشة مقترحه. وعليه، يدعو المغرب إلى “مزيد من التفاصيل حول رؤيته”، لا سيّما أنّ وزير الخارجية المغربية طمأنه في آخر لقاء في نيويورك إلى أنّ المغرب على “وعي بالضرورة الاستعجالية لشرح مخطّط الحكم الذاتي وتطويره”.
بالرغم مما سلف، لم يغفر المغاربة للمبعوث الأممي عودته إلى التلويح بإحياء التقسيم، بل اعتبروا هذا الفعل شبه إقرار بفشله في تحريك المسلسل السياسي، الذي هو صلب آخر القرارات الأممية، ومحاولة للالتفاف على واقع جيوستراتيجي مغاير تماماً لما كان عليه قبل 02 سنة، أي زمان جيمس بيكر، وأنّ الحقائق على الأرض تغيّرت لفائدة المغرب.
ولعلّ التعبير الاستنكاري الواعي جرت صياغته في السؤال الذي اخترق كلّ طبقات العمل السياسي الوطني أفقياً وعمودياً: لماذا عاد دي ميستورا إلى المقترح ذاته، بعد عشرين سنة من فشل تبنّيه أيام جيمس بيكر؟ … في تقدير الرأي العام المغربي، الذي يعتبر قضية الصحراء قضيةً مُقدَّسة، يحكم من خلالها على المواقف، سواء كانت مواقف دول أو تكتلات أو مواقف سياسيين فرادى وأصحاب القرار. وعليه، يمثّل هذا المنحى استفزازاً غير محمود العواقب، علاوة على أنّه يسير عكس التيّار الدولي الذي نجح المغرب في هندسته وتشكيله لصالح وحدته الترابية. وهو ما صاغته وكالة الأنباء الرسمية المغربية في تقرير يقول إنّ “حوالي 110 من الدول الأعضاء في الأمم المتّحدة، من بينها عضوان دائمان في مجلس الأمن، و19 عضواً في الاتحاد الأوروبي، وعديد من دول أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية والعالم العربي، فضلاً عن منظّمات إقليمية، عبّرت عن دعمها المقترح المغربي.
يضاف إلى ذلك تزامن نشر مسعى دي ميستورا مع مواقف اللجنة الرابعة للجمعية العامة الأممية، التي اعتمدت قراراً من دون تصويت يجدّد دعمها العملية السياسية الجارية تحت الإشراف الحصري للأمم المتّحدة. وهو القرار الذي يدعو “الأطراف كافةً إلى التعاون الكامل مع الأمين العام للأمم المتّحدة من أجل التوصّل إلى حلّ سياسي لهذا النزاع الإقليمي، بناء على القرارات التي اعتمدها مجلس الأمن منذ سنة2007”، سنة تقديم المغرب مقترحه سالف الذكر ()، وإذا كان دي ميستورا، في سياق آخر، لم يأتِ على ذكر الاستفتاء، الذي تجعله الأطراف الأخرى السبيل الوحيد لتقرير المصير، فإنّ الرأي العام المغربي نظر بعين الغرابة إلى ما ورد في حديثه عن التقسيم، اعتماداً أيضاً على ما سبق أن صدر عن الإيطالي السويدي في مناسباتٍ مغايرة. ومنها أنّه زار دولة جنوب أفريقيا، التي تعدّ خصماً لدوداً للمغرب، في قضيته، وأنّ المبعوث الخاص للأمين العام لم يستطع تبرير هذه الزيارة، لأنّ الدولة الأفريقية الكبرى ليست معنيّة. ولم يتردّد المغاربة في اعتبار أنّ زيارته تشي بنوع من التمادي المستتر مع أطروحتها، وتعني كذلك سعياً نحو حشر الاتحاد الأفريقي في القضية، في وقتٍ يعتبر المغرب أنّ الملفّ هو حصرياً بين يدي الأمم المتحدة ومجلس الأمن خصوصاً.
لا شيء يدلّ على أنّ السرد المقصود لمقترح التقسيم سيكون من عناصر التقرير الذي يقدّمه رئيسه الأمين العام غوتيريس بشأن الصحراء، لكن دي ميستورا رمى بظلالٍ ثقيلةٍ على العلاقة بينه وبين المغاربة، وهو ما دفع أصواتاً من داخل الطبقة السياسية للمطالبة باستقالته.