لا حديث يعلو على حديث كرة القدم هذه الايام. والحديث يعلو، ويزداد صخبا، لان المناسبة كأس العالم، والمواجهة بين منتخبات، بقدر ما قد تجمع بينها السياسة والثقافة، قد تفرق بينها “أشياء” اخرى، من السياسة والثقافة أيضا.
لماذا كان الحديث، دوما، عن آلروح الرياضية؟ وفي المقابل، لماذا كان التنصيص على حظر التعبيرات السياسية من قبل الفيفا؟ هل لخطورة كرة القدم، نتيجة لتأثيرها الذي ينتشر كالنار بالهشيم، في قلوب محبيها وعشاقها؟
السؤال، الآن ، هو: هل انتهت مقابلة في كرة القدم، يوما ما، دون ان تحمل بعض أثر سياسي او ثقافي، وبخاصة إذا كانت تجري بين منتخبين وطنيين، او بالأحرى بين منتخبين من قارتين مختلفتين، او بين منتخبين من ثقافتين متغايرتين؟
مع كل الروح الرياضية، التي سادت خلال مونديال قطر، ومازالت تسود إلى حد الساعة، الا ان هذه الروح ظلت تلتبس بما هو ثقافي- سياسي، حتى قبل ان تنطلق أول صافرة. رأينا كيف احتد السجال حول “المثلية”، وكيف انتهى، بفعل سلطة القرار النهائي لحكام الدولة المستضيفة. وبالموازاة مع ذلك، رأينا – ومازلنا نرى- كيف صارت تنتشر الأعلام الفلسطينية، بين الجماهير، تضامنا مع اشقائنا في الاراضي المحتلة، ضد آلة القمع الصهيونية المتطرفة .
غير ان ما بات يثير الاهتمام أكثر، في مونديال قطر، هو ذلك الالتفاف الجماعي، من قبل جماهير العالم العربي- الإسلامي، تشجيعا للمنتخب المغربي (ومعه كان التشجيع لصالح تونس، وقطر، والسعودية من قبل): في السودان، لبنان، تركيا، افغانستان، وغيرها من الدول. بعكس ما هو حاصل في أوروبا وامريكا، حيث كل شعب يشجع منتخبه الوطني، وجدنا الشعوب العربية- الإسلامية، قاطبة، تجتمع على تشجيع منتخباتها الممثلة لها (ثقافيا). الا ينم هذا الاجتماع/ الإجماع عن انحياز ثقافي، من جهة في مقابل جهة اخرى؟ ان كانت من رمزية لهذا الانحياز، فهي التي أضحت تعبر عن استمرار جذوة الوحدة والتضامن بين هذه الشعوب، وبصورة أوسع بين مختلف الشعوب العالم- ثالثية (المستضعفة بخلفية إيديولوجية مغايرة).
اليوم، يتقابل المنتخب المغربي مع نظيره الفرنسي، في مباراة نصف النهائي. بالطبع، هناك امور تفرض نفسها، من موقع كل طرف من الطرفين. وإذا بقينا عند حدود الموقع المغربي، فإن المقابلة تجري في سياق من الفتور الديبلوماسي مع فرنسا، الذي لم يسبق له مثيل، حدة وامتدادا. وقد بات من المعروف، ان من مؤشرات هذا الفتور، كان تخفيض نسبة منح التأشيرات إلى المغاربة، عقاباً لهم بشكل جماعي. اما إذا تموقعنا خارج الإطار المغربي، فالعرب لن ينسوا لماكرون مواقفه، التي فسروا بعضها على أنها مس بحقوق المسلمين في فرنسا. لعل في هذا السياق، يمكن قراءة بعض الدعوات المعلنة، احتجاجا على الرئيس الفرنسي، إبان وجوده بالملعب، لمتابعة مباراة المغرب- فرنسا اليوم.
من الصعب، الفصل بين السياسة وكرة القدم. ولا ادل على ذلك، من ان “الكرة” استمرت بالتواجد في قلب كل ما هو سياسي. هل شهد المغاربة فورة وطنية، مثل هذه التي نشهدها في مونديال قطر اليوم؟ وهل من العجب ان نسمع احدهم يطالب بجعل “نصف النهائي” عطلة رسمية، تضاف الى العطل الأخرى العديدة؟
انه مجرد بالون. لكن الهواء، الذي قدر ان يحتقن به، ممتزج بالسياسة (الى حد الثمالة!). ومع تقديرنا لهذا الواقع، نرجو ان تنتصر الروح الرياضية بين الجميع، وبخاصة بين اهلنا خارج الوطن، حيث الدوائر العنصرية، هناك، تتربص بهم. من حق الجميع ان يفرحوا بنجاحات منتخبهم الوطني الحالي، بعد ان طبعوا مع الفشل الكروي لسنوات طوال خلت. وإذ تمنح كرة القدم الفرحة، في هذه التظاهرة العالمية، بفعل الانتصارات التي يحققها المنتخب، نرجو ان تستمر هذه الفرحة، وتمتد في نجاحات أخرى، في كرة القدم وفي غيرها.