نجحت قطر في تنظيم كأس العالم الحالية. ومع ان هذه المنافسة العالمية مازالت تجري مبارياتها، في مختلف ملاعب هذه الدولة الخليجية، الا انه لم يظهر ما قد ينتقص من وهج فعالياتها إلى حد اليوم.
لم تنصب جهود قطر على صرف الأموال، في بناء الملاعب الفخمة العملاقة، واقامة البنيات التحتية الجيدة، فقط، بل واكبتها جهود اخرى محكمة في التنظيم، بحكم الجاليات الضخمة المتوافدة على الامارة، في مدة زمنية ضيقة، من اجل متابعة اطوار المقابلات.
وعلى الرغم من كل ما قامت به قطر، رفعا لتحديات تنظيم المونديال الكروي احسن تنظيم، الا أنها لم تأمن الهجوم العنيف لبعض دول الغرب، باسم حقوق الانسان (كالعادة). والواقع ان الامارة الخليجية، منذ ان أعلن عن فوزها بشرف التنظيم، وهي تتعرض لسيل من التحريض والاتهام. وقد تزايدت الوتيرة حدة، حتى بعد انتهاء حفل الافتتاح.
وإذ لا ينازع احد في ان ليست الامارة بجنة الحريات وحقوق الانسان، مثل عدد من الدول العربية والأفريقية، وغيرها في جهات اخرى من المعمورة، فان “لي ذراع” الإمارة من هذا الجانب، بعد تاكيدها الاستجابة لعدد من المطالب، يعتبر امعانا في محاولة الانتقاص من نجاح هذه الدورة الكروية العالمية.
بدل ان تستفيد قطر من ترويج اسمها وسمعتها، وهي التي لا تنتظر ان تستعيض ما صرفته من أموال على التنظيم، بدل ان تربح منه شيئا، أسوة بباقي الدول المنظمة في السابق، كان “الاتجاه المعاكس” لها بالمرصاد، في محاولة للنيل منها معنويا. وبالطبع، كان ملف حقوق الانسان جاهزا، وبالتحديد في ما خص “حقوق العمال الأجانب”.
من وجهة نظري، ما كان لهذه المناسبة الكروية ان تاخذ منحى سجال ثقافي بين الغرب والشرق. التغطيات الاعلامية، التي كنا نتابع مقتطفاتها على الإنترنيت، هنا وهناك، ظلت تحبل بالكثير من الضغائن الثقافية الدفينة. وليس هناك ما هو أسوأ لحقوق الانسان، في هذه الحالة، من ان يكون الحافز إلى المطالبة بها هو الابتزاز، او ادعاء السمو الثقافي والحقوقي. ولعل في كلمة انفاتينو، رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم، التي كان قد عبر عنها، في وقت سابق، اتهامات صريحة لنفاق الغرب، وتناقضه، بل وتعاليه.
من جهة اخرى، لم يكن لتلك الحملات الدعوية، بالاحتجاج على التزام الإمارة الديني، بالاحالة الى ما كان يروج من اخبار عن دخول افواج من الوافدين الأجانب إلى الاسلام، ان تأخذ نصيبا من الاهتمام الإعلامي العربي، وبخاصة على مستوى وسائط التواصل الاجتماعي.
لم تكن روسيا الاتحادية والصين الشعبية بأفضل حال “حقوقيا”من الإمارة الخليجية، حين نظمتا تظاهرات رياضية عالمية. وان كان من الجدير ان تنصب المقارنة على ما هو ايجابي، اعلاء لقيمته، وحثا عليه، فان نفاق الغرب المستمر بات يصيب بالغثيان. ان كانت من حقوق نتبناها، فهي تلك التي نتحمل عبء المطالبة بها داخليا، التحاما بتطلعات شعوبنا وحقوقيينا، ومنظماتنا. اما حكومات الغرب، ورسوبها في امتحان “قضية فلسطين”، تواطؤا مع اسرائيل التي لم تتوقف، ولو للحظة، عن التنكيل بحقوق اخواننا الفلسطينيين، فلم يترك لدعاويها الحقوقية اي مصداقية تذكر.