حقق المغرب اختراقا كبيرا، باستمالة دولة كبرى، وذات تاثير استراتيجي قاري، إلى جانبه، مثل كينيا. ولو قدر للديبلوماسية المغربية النجاح، في استمرار ضمان تحييد الموقف النيجيري، فإن خارطة التحالفات ستتغير بشكل ايجابي، لصالح وحدتنا الترابية. حتى اليوم، لا يمكن التغاضي عن المكاسب التي حققتها الاستثمارات الإقتصادية المغربية المتنوعة في إفريقيا، باقتحام دول كانت مساندة مساندة شرسة للأطروحة الانفصالية (نيجيريا واثيوبيا على سبيل المثال). وان بالإمكان مقابلة الفوسفاط المغربي بالبترول الجزائري، في اطار استخدام الاذرع الإقتصادية لتحشيد المواقف لصالح هذا الطرف او ذاك، الا ان للدينامية الإستثمارية المغربية المردودية الإيجابية الاكبر، لاعتبارات ثلاثة على الاقل:
– حجم الاستثمارات، بالنظر إلى كون المغرب من أصحاب الإستثمارات الكبرى في افريقيا، الى جانب الصين، الولايات المتحده الامريكية، وفرنسا، والامارات، وغيرها؛
– تنوع الاستثمارات، بشمولها لقطاعات عديدة، مثل الابناك، الاسمدة، البناء، الكهرباء، الماء، الخ؛
– فائدتها العينية الملموسة، بتركيزها على اقامة علاقات استثمارية مفيدة، عبر بناء المصانع (لانتاج الاسمدة مثلا)، تشغيل الايدي العاملة، وتكوين الخبرات المهنية والفنية.
وبالعودة الى نيجيريا، فإن الإستثمار في قطاع الفوسفاط، بالنظر إلى حاجة هذهِ الدولة الكبيرة، ذات الكثافة السكانية العالية، الى تطوير فلاحتها، في اطار ما يمكن ان يحقق جزءا مهما من اكتفائها الذاتي من الغذاء، قد عمل على تسريع وتيرة التقارب المغربي- النيجيري. وعلى المتابع للشأن السياسي الإفريقي ان ينتبه، بهذا الصدد، الى موافقة الدولة النيجيرية على تشييد أنبوب الغاز المار، عبر عدة دول افريقية، الى اوروبا، وما تعنيه من اعتراف بسيادة المغرب الضمنية (حتى الان) على اقاليمه الجنوبية.
تظل جنوب افريقيا الوحيدة المتمنعة عن الاصطفاف مع الموقف المغربي، الى حد الساعة، على الرغم من وجود بعض الاختراقات الطفيفة، التي تحتاج الى تطوير ومراكمة مستقبلا.
ومع كل هذه النجاحات الديبلوماسية، مطلوب من المغرب الانتباه الى محيطه القريب، الذي “تشتغل” عليه الجزائر، في سعيها الى محاصرة المغرب اقليميا، في اطار ما يسمى المغرب العربي. ما حصل في تونس قيس سعيد، وما يمكن ان ينشأ عن الموقف من استقبال زعيم الجبهة الانفصالية، لا ينبغي ان يحصل نظيره في موريتانيا ولد الغزواني، التي تتجه إليها اعين الجنرالات في الآونة الاخيرة، عبر ايثارها ببعض الاستثمارات. ومع تقديرنا ان حالة موريتانيا مختلفة عن حالة تونس، لاعتبارات تاريخية وثقافية وجيوسياسية عديدة، الا ان السعي المغربي الحثيث الى الانفتاح على العمق الموريتاني، من شأنه ان يدعو الى الطمانينة “الاستراتيجية”، وذلك من خلال ايثار الدولة الموريتانية بمبادرات معينة، من قبيل خلق استثمارات ملموسة، تسهيل الحصول على التاشيرات، وغير ذلك.
ان فتح معبر الكركرات، في سياق تلك الضربة القاضية على تطلع الجزائر إلى المحيط الاطلسي، يجعل النظام العسكري في الجارة الشرقية لا يهدأ له بال، الا بجعل موريتانيا تضيق على المغرب، في اتجاهه الى دول جنوب الصحراء.
ان اشتغال المغرب على الجوار الإفريقي البعيد، لا ينبغي ان يكون بديلا عن الاهتمام بالجوار القريب، وبخاصة مع انكشاف الخطة الجزائرية، تلك القائمة على محاصرة المغرب، في عمقه المغاربي.