بقلم: زكية لعروسي
تلك هي العبارة التي تسكن وجداني في كل مرة أتأمل فيها واقع الجالية المغربية في المهجر، خاصة بعد خطاب صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء. خطاب ملكي سامٍ بعث الأمل مجددًا في نفوس أبناء المهجر بعد أن كاد يغشاهم اليأس من أشباح الغياب. لقد كان الخطاب صرخة ملكية لإعادة ترتيب الأولويات والالتفات الجاد لأبناء الجالية، وتجديد النظر في السياسات المتبعة تجاههم.
لكن وسط هذا الزخم، تتداعى إلى ذهني أسئلة حارقة تستعصي على النسيان:
1. أين مجلس الجالية من أبناء الجالية؟
هل هناك مؤسسة فعلية في باريس أو غيرها تمثل الجالية المغربية، لتتيح للمثقف أو المواطن البسيط فرصة التواصل والتحاور مع المسؤولين بطريقة حضارية وديمقراطية؟ أم أننا نتحدث عن هياكل شكلية بلا روح؟
2. أين الإحصاءات والدراسات؟
هل لدينا إحصاءات دقيقة عن عدد العلماء والمثقفين المغاربة في المهجر؟ عن الباحثين والمبدعين الذين يرفعون راية المغرب في الخارج؟ أم أننا نفتقد أدوات معرفتنا بمن يمثلون قوة المغرب الناعمة على الساحة العالمية؟
3. مجلس الجالية والمؤتمرات: لمن تُعقد؟
ما موقع المؤتمرات المنظمة من طرف مجلس الجالية، خاصة تلك المخصصة للغة الضاد، من أبناء الجالية؟ أليس الأولى أن تُعقد هذه المؤتمرات في قلب المهجر، حيث الحاجة الماسة لربط الأجيال بجذورها اللغوية والثقافية؟ فما جدوى مؤتمر يُعقد في المغرب، دون أن تُشارك فيه فعاليات المهجر بشكل حقيقي؟
4. غياب المركز الثقافي المغربي في المهجر؟
كيف لنا أن نحافظ على هوية أبناء الجالية في ظل غياب مركز ثقافي مغربي يقدم الدعم التعليمي والثقافي والفني، ويربطهم بهويتهم الوطنية؟ أليس هذا الغياب جرحًا نازفًا في جسد الهوية المغربية بالمهجر؟
لقد التقيتُ ببعض ممثلي الجالية ومسؤوليها في محافل مختلفة، وحين حاولتُ الحديث عن هواجس المثقف وهموم الجالية، فوجئت بلا مبالاة قاتلة وتوجيه النقاش إلى أمور هامشية لا تمت للقضية بصلة. وكأن صوت المثقف المغربي في المهجر لا يُسمع، وكأنه بهلوان يعرض مشهدًا عبثيًا في “ديبلوماسية ثقافية” تفتقد الجدية.
هذا المغربي المهاجر الذي يحيا بروح مغربية خالصة، يحمل وطنه في وجدانه أينما ارتحل، ربما أكثر وطنيةً من الذي يعيش على أرض الوطن. وها هي صرخة صاحب الجلالة تعيد التأكيد على أن الهوية المغربية شاملة، تحتضن العربي والحساني والأمازيغي والعبراني دون تمييز. لكنها في الوقت ذاته تفرض علينا التزامات أرض الواقع، وليس فقط بالكلام المنمق أو الحبر على الورق. جسامًا تجاه أبناء المهجر، تبدأ بتعزيز جذورهم الثقافية وربطهم بوطنهم الأم على
نحن المثقفون في المهجر نعيش حالة ثقافية فريدة، تتناغم فيها الثوابت مع المتغيرات. فنحن نؤمن بحكمة “الجديد له جدة، والقديم لا تفرط فيه”، ونسعى جاهدين للمحافظة على هويتنا المغربية وسط عالم متحول. ندرك التحديات التي تواجه الوطن الأم، كما نتعايش مع التحولات الكبرى التي تهز بلدان المهجر. لكننا نرفض أن تُفرغ عروقنا من دماء مغربيتنا، أو أن يُطمس لون عفرنا الأصيل.
أقولها بمرارة، لمن يظن أن دعوات المثقفين تأتي من فراغ، خصوصا بعد خطاب صاحب الجلالة، الذي رسم خارطة طريق لاحتضان المغاربة أينما كانوا. الجالية اليوم لا تطلب سوى واقع ملموس يرسخ جذورها مع وطنها، ويُعزز انتماءها بعيدًا عن الخطابات الرنانة.
“نقطة البداية: مركز ثقافي مغربي في المهجر”
إنشاء مركز ثقافي مغربي في قلب المهجر ليس رفاهية، بل ضرورة قصوى. إنه الخطوة الأولى لترسيم “تمغرابيت” أبناء الجالية، لتكون هويتهم الوطنية متجذرة وقادرة على الصمود في وجه رياح الاغتراب. فلا مستقبل لأمة تتخلى عن أبنائها، ولا قوة لوطن لا يمد جسوره إلى حيث يوجد أبناؤه.
“واش نبكي ولا نضحك؟” سؤال يختزل حيرةً وجودية، لكنه يبقى في جوهره دعوة صريحة للعمل الجاد من أجل مغربٍ يحتضن الجميع، داخل الوطن وخارجه.