افريقيا و انقلاباتها، و الضحية: الدمقرطة و التنمية (بقلم الكاتب و الصحفي مصطفى العراقي)

عاد عسكر إفريقيا الى الواجهة صيف هذه السنة  بعد انقلابي النيجر (26 يوليوز 2023) والغابون (30 غشت 2023). وأطل على الرأي العام العالمي من تلفزيوني  البلدين ضباط من مختلف التشكيلات العسكرية يقدمون مبررات  وضع أيديهم على الحكم والإطاحة بمن كان يقطن بالقصر الرئاسي ووضعه تحت الإقامة الجبرية..

علاقة افريقيا بالانقلابات تعود الى بداية خمسينيات القرن الماضي و يعد استيلاءالضباط الاحراربمصر على السلطة في يوليوز 1952 وإزاحة الملك فاروق  وملكيته أول عملية انقلابية ناجحة بالقارة السمراء لتدشن مسلسلا  فاق 220 محاولة  العديد منها كان مصيرها الفشل خلال السبعة عقود الماضية. مسلسل شمل أغلب دول القارة  كان من بين خلفياته الحرب الباردة التي اتخذت من افريقيا أحد مجالات صراعات قطبيها: الغرب متمثلا في الولايات المتحدة الامريكية ودول أوروبية كقوى استعمارية، والشرق أي الاتحاد السوفياتي السابق ..

انقلابات إفريقيا بالرغم من وعود العسكر وهو يتلو البيان الأول لم تفض إلى دمقرطة دول القارة وتنميتها. كما لم تساهم في الاستقرار الوطني وتمتين الانسجة الاجتماعية الداخلية من قبائل ومناطق متنافرة ترك الاستعمار تحت رمادها قنابل حروب أهلية انفجر عدد منها خلال الحقبة الماضية.. فناذرا لم يسلم العسكر السلطة للمدنيين بل جثم ضباطه على صدر القصر الرئاسي لعقود طويلة ..

من بين الملاحظات التي يمكن استخلاصها من تاريخ الانقلابات الافريقية أن جلها لم ينتج سوى الفساد السياسي والاقتصادي ولم تعرف البلدان التي وقعت فيها طريقا آمنا لصناديق الاقتراع واحترام إرادة الناخبين. وعدد من أنظمة الانقلابيين أطالت أمد حياتها بوسائل متعددة أبرزها انتخابات مزورة أو  تنصيب رؤساء على المقاس أو توريث السلطة

وأحيانا يكون قائد الانقلاب جزءا من البنية السياسية للرئيس أو من عائلته كما هو الشأن بالنسبة للانقلاب الذي حدث هذا الأسبوع بالغابون وأطاح بالرئيس علي بانغو الذي شكل امتداد لآل عمر بانغو التي حكمت أكثر من نصف قرن..

لقد كرست الانقلابات لإفريقيا طريقة وحيدة للحوار بين الفرقاء هي في الغالب لغة السلاح والمواجهة الشرسة التي تريق الدماء وتزهق أرواح الآلاف من السكان ..وهذه اللغة فتحت الأبواب على مصراعيها لقوى خارجية وتجار الأسلحة لتغذية الصراعات وتعميق الجراح..

وكرست انقلابات افريقيا استمرار تبعية دول القارة الى عواصم غربية بالخصوص لتستمر عمليات نهب خيرات القارة من معادن ومحروقات وغاباتولنا في علاقات باريس بأنظمة افريقية خير مثال على ذلك..

ملاحظة أخرى إن عودة الانقلابات تأتي في خضم التحولات التي يعرفها العالم  والمتلخصة في الصراع بين الغرب وحلفه الناتو وروسيا والتي تعد الحرب الأوكرانية أبرز تعبيراتها ومن المحتمل جدا أن تكون لهذه التحولات  بصمات في انقلابي النيجر والغابون ..

عن الانقلاب العسكري ما هو إلا وجه ثاني لعملة فساد بالقارة الافريقية وجهها الأول انتخابات مزورة. وكلا الوجهين يبحت عن الطريق التي تؤدي الى السلطة أو الاستمرار في التحكم بها .. والضحية الأبرز هو دمقرطة القارة وتنميتها ..