أخبارسياسة

حكمة ملك

سعيد بوعيطة (باحث مغربي)

بقلم: سعيد بوعيطة

ما ضاع حق وراءه مطالب، هذه المقولة التي أثبتت صحتها عبر التاريخ، تنطبق اليوم على ما وصلت إليه المملكة المغربية عبر مسيرة طويلة من الديبلوماسية الفعالة، وحكمة قائدها والعمل المضني والصبر الطويل. كسباً أولاً للجيرة مع الجزائر وباقي بلدان الجوار. لتحقق بذلك نوعا من الوفاق على المستوى الإقليمي والدولي، وإقامة تعاون ديبلوماسي وثيق. يقوم على أساس الحوار والمساهمة في صيانة السلم والإستقرار، والتعاون القائم على العدل والإنصاف. ولعل من أبرز نتائج هذا العمل الدبلوماسي المغربي، قرار مجلس الأمن الدولي الأخير المتعلق بمبادرة الحكم الذاتي بخصوص مقترح الحكم الذاتي في الصحراء المغربية.

قرار مجلس الأمن

جاء قرار مجلس الأمن الدولي، الصادر يوم الجمعة الفارط، ليعزز تلك القناعات التي لم يحد عنها المغرب قيد أنملة. فمنذ المسيرة الخضراء بقيادة الملك الراحل الحسن الثاني، طيب الله ثراه، عام 1975، كان المغرب يعمل على تحقيق المصلحة العربية المشتركة من دون الدخول في صراع عسكري. حيث اختار العمل الدبلوماسي طريقاً، على الرغم من الكثير من المصاعب التي واجهها. في العام 1989، عمل المغرب على منح دول المغرب العربي قوة من خلال “اتحاد المغرب العربي”، الذي انبثق عن “قمة مراكش” بين الدول الخمس. قصد تعزيز التنمية المستدامة المشتركة بين هذه الدول على جميع الصعد. لكن ثمة ذائما من يضع العصا في العجلة. وذلك من خلال خلق مزاعم لا يقبلها الواقع والتاريخ وحتى الجغرافيا، عبر إثارة مشكلة الصحراء المغربية مرة جديدة، واستخدام مجموعة من المرتزقة اللقطاء. مما سبب متاعب للبلدين معا، وفوت عليهما فرص التنمية والتطور. لهذا، حين صدر قرار مجلس الأمن الدولي بقبول الخطة المغربية للحكم الذاتي للصحراء المغربية، فإنه قد وضع حداً للكثير من محاولات التهديد، وزعزعة استقرار المنطقة التي يسعى المغرب إلى أن يسير بها نحو تنمية مستدامة، قائمة على التعاون الإقليمي، ودعم كل ما من شأنه خدمة البلدان الأفريقية. وبموازاة مع قرار الأمم المتحدة في هذا الشأن، جاء خطاب صاحب الجلالة الملك محمد السادس في نفس اليوم، ليبرهم على التوجه الصحيح للمغرب، القائم على الحكمة الملكية وأبعادها الإنسانية.

حكمة ملك

على هذا الأساس، يُنظر إلى ما ورد في خطاب صاحب الجلالة الملك محمد السادس، بشأن خطة المغرب وقبولها من مجلس الأمن الدولي. ذلك أن أزيد من ثلثي الدول في الأمم المتحدة، أعتبرت مبادرة الحكم الذاتي هي الإطار الوحيد لحل هذا النزاع المفتعل. فقد أكد صاحب الجلالة ذلك في خطابه من خلال قوله: “اليوم ندخل، والحمد لله، مرحلة الحسم على المستوى الأممي، حيث حدد قرار مجلس الأمن المبادئ والمرتكزات، الكفيلة بإيجاد حل سياسي نهائي لهذا النزاع، في إطار حقوق المغرب المشروعة”. ونظرا لحرص جلالته على العلاقات الحسنة مع الجيران، فقد كان واضحاً في هذا الجانب من خلال قول: “رغم التطورات الإيجابية، التي تعرفها قضية وحدتنا الترابية، يبقى المغرب حريصاً على إيجاد حل لا غالب فيه ولا مغلوب، يحفظ ماء وجه جميع الأطراف”. لأن الهدف الأساس ليس تحقيق أي انتصارات، بل في الفائدة المرجوة التي يمكن ترجمتها عبر دعوة القيادة الجزائرية إلى حوار أخوي صادق. قصد تجاوز الخلافات، وبناء علاقات جديدة، تقوم على الثقة، وروابط الأخوة وحسن الجوار. لأن في هذه الجغرافيا المغاربية الشاسعة، وثرواتها الكبيرة، لا يمكن أن تقوم تنمية مستدامة على اضطراب معين. لهذا، يعد الاستقرار، المسار الطبيعي الضامن لتحقيق تنمية المنطقة. على هذا الأساس، بنيت دعوة صاحب الجلالة محمد السادس. ليس فقط لفتح صفحة جديدة بين المغرب والجزائر، بل من أجل مواصلة العمل، لإحياء الاتحاد المغاربي، على أساس الاحترام المتبادل والتعاون والتكامل المشكلة للإتحاد.

الخطاب الملكي والقيم الإنسانية

ثمة ملاحظة جديرة بالاهتمام في هذا الإطار، تتجلى في تزامن قرار مجلس الأمن الدولي مع الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء، وبعدها الذكرى السبعين لاستقلال المغرب. مما يؤكد أن جميع الحقوق لا تضيع طالما يتعامل أصحابها بحكمة ومنطق. لهذا، جاء الخطاب الملكي مفعما بالقيم الإنسانية. وعلى رأسها المحافظة على الروابط الأخوية والجيرة، والمساوة بين المواطنين. تجلى ذلك في تلك الضمانات التي أكد عليها خطاب صاحب الجلالة من خلال قوله: “إن جميع المغاربة سواسية، لا فرق بين العائدين من مخيمات تندوف، وإخوانهم داخل أرض الوطن”. فهل هناك حكمة أكثر من هذه الحكمة الملكية؟ الجواب يعرفه الداني والقاصي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Soyez le premier à lire nos articles en activant les notifications ! Activer Non Merci