
بقلم: سعيد بوعيطة
تسرد حكاية ”حصان طروادة” حسب ما ورد في ملحمة “الإلياذة والأوديسة” للشاعر الإغريقي هوميروس، الخطة الذكية التي وضعها الجيش اليوناني، ليتمكن من اقتحام مدينة طروادة، وذلك بصنع حصان خشبي ضخم واختباء نخبة من الجنود بداخله، وتراجع باقي الجنود. عندها خرج الطرواديون وأدخلوا الحصان الخشبي من كثرة إعجابهم به. ولما حل الليل، خرج الجند من جوف الحصان الخشبي، وفتحوا أبواب المدينة للجيش. لتصبح مدينة طروادة تحت سيطرة الجيش اليوناني. فما علاقة حكايةحصان طروادة بالممارسة السياسية اليوم؟
وبما أن الشيء بالشيء يذكر، فإن ممارسة هذا الفعل السياسي في بلادنا اليوم، خاصة ونحن على أعتاب الأستحقاقات الإنتجابية المقبلة (2026)، تتقاطع بجلاء مع فكرة حصان طروادة. خاصة تلك الممارسات السياسية التي يطبعها التمويه والحيلة للوصول إلى الغاية. لأنها تحمل بداخلها ما ليس بظاهرها. بمعنى أن أغلب الأحزاب السياسية، باعتبارها البنية الظاهرة التي على أساسها تقوم الديموقراطية التي تختزل تمثيلية الشعب وصوته، ليست كذلك في حقيقتها. لأن بين الظاهر السياسي وتنفيذه على أرض الواقع، مسافات بعيدة تفصل بينها ممارسات لا علاقة لها بالديموقراطية والتمثيلية الشعبية المزعومة.
اللي شراك اليوم، غدا يبيعك
حين تعاني نسبة كبيرة من الشعب من الأمية على جميع المستويات، وبالخصوص الأمية السياسية ومستوى الوعي والنقاش السياسيين، فإن ذلك يساهم في تعطيل سرعة التغيير السياسي نحو الديموقراطية. لهذا، حين يقترب موعد كل استحقاقات إنتخابية، تبدأ الموالات القبلية والأسرية وشراء الدمم بالورقة الزرقاء، وتتم عملية البيع والشراء، كأننا في سوق (رحبة) الغنم. حيث يفتح الباب واسعا لأصحاب الشكارة والأميين الذين لا علم لهم بالسياسة. ليعم على إثرها الفساد في البلاد وبين العباد. حيث يساهم في هذا الفساد، المواطن نفسه الذي يكتشف فيما بعد أن أصحاب الشكارة الذين وزعوا الورقة الزرقاء كأنهم ينثرون ”الغرامة” في حفل الزفاف، همهم الأول والأخير، هو ركوب حصان طروادة لولوج القبة والاستولاء على كرسي المجالس الجلدية المريحة إلى يوم يبعثون. وأن هذا المواطن الذي باع نفسه اليوم، فسيركله حصان طروادة وتتقاذفه مشاغل الحياة ومشاكلها. ليكتشف أن صاحب الشكارة الذي اشتراه بالأمس بدريهمات معدودة، باعه اليوم من خلال مصالحه وامتيازاته وعلاقاته الأخطبوطية في تبادل المصالح، وما تيسر له ووصلت إليه يده. وسيرى هذا المواطن رأي العين، أن كل المتظاهرين والمحتجين والمظلومين والسياسيين والنقابيين والفنانين، وجمعيات المجتمع المدني، وكل من يدب على أرض هذا الوطن، أمام بنايات المجالس والجماعات، والبرلمان، يعتقدون أن من بداخل هذه البنايات قادر على سماعهم وتحقيق مطالبهم والتكلم بلسانهم والوفاء بالعهود التي قطعوها على أنفسهم، لكن لا حياة لمن تنادي، وأن من اشتراك اليوم، سيبيعك في الغد. لأن هؤلاء تراجعوا وتخلوا عن مهمة تمثيل الشعب، وتشبثوا فقط بالامتيازات المادية والمعنوية والمراتب الاجتماعية التي تمنحها لهم تلك المراتب في سلم السلطة. وأن لا أحد منهم يعطي الكثير ويستزيد من جهوده ويكثر من خبراته (إن وجدت) مما توفره الإرادات السياسية لتنمية مختلف مدن البلاد، والعالم القروي والحفاظ على ساكنته حتى لا يحزم القرويون، وساكني المناطق المنسية، رزمهم البسيطة، ويتوجهوا صوب المدن التي صارت قرى كبيرة. تفاقمت على إثرها ظروف الحياة اليومية، وتزايدت البطالة والجريمة وكل الظواهر الاجتماعية والاقتصادية التي ترتبت عن ذلك. لأنه لا أحد من هؤلاء السياسيين له حرقة على هذا الوطن. إنهم يعتبرون المسألة برمتها لعبة سياسية، وحصان طروادة الذي يحقق لهم المآرب، لا غير.
فيا أيها المواطن، قبل أن تبكي وتشتكي، حيث لا ينفع البكاء، كن على يقين أن” اللي شراك اليوم غدا يبيعك وعلى عينيك أبن عدي كما يقول المثل المغربي.
كلام الليل يمحوه النهار
لحد الأن ما زالت الممارسات السياسية من قبيل كلام الليل الذي يمحوه النهار، وليس لسان الشعب ومكوناته الحزبية وضميره الحي الذي يسعى لبناء مواقف الدولة ومشاريعها السياسية والاقتصادية والثقافية والاستراتيجية في كل المجالات. مما يستوجب حلحلة الوضع السياسي المغربي وإيصاله بمحركات ذات خيول قوية، وليس الإرتكان لحيلة حصان طروادة الخشبي للوصول إلى الكرسي. لأن هذه الحيلة إن انطلت لزمن ما على الشعب، لأن هذا الأخير الذي استفاق من غيبته وغيبوبته، فقد اكتشف أن غياب الإرادة السياسية لدى جل المكونات السياسية، وأن أغلب الجهات المستفيدة من الوضع السياسي اليوم، ما هي إلا حجرة عثرة حقيقية، تنتج امتيازات اقتصادية خاصة ومستمرة. يتم توريثها من أب لابن من نفس الطبقة الثرية والمحظوظة. لذلك، لا يمكن أن تكون القوى السياسية ومواليها ومريديها، فاعلة في تحريك الفعل السياسي من أجل تغييره نحو إقامة بنية سياسية على أسس سليمة وفعالة، ما لا تنبض بنبض الشعب وطبقاته الكادحة، وتفكر بما تفكر وفيما تفكر تلك الفئات التي يضغط عليها واقع المعيش اليومي، ويطابق قولها فعلها، وتفكك حصان طرواة الخشبي، لأنه رهان خاسر. وتوزيع ألواحه على أصحاب فرناتشي الحمام البلدي، حتى يتطهر سياسيونا من أدرانهم، ويطابق كلام ليلهم، كلام نهارهم.





