
بقلم: سعيد بوعيطة
تضعنا ثنائية الكلب الفالت و الكلب المربوط، أمام معضلة قطعان من الكلاب الضالة التي تجتاح أغلب شوارع مدننا اليوم. مما يجعلنا أمام سؤال محوري مفاده، هل نحن فعلا نعيش في المدينة (بكل ما تحمله كلمة المدينة من معنى)، أم نحن فقط في فضاء إسمنتي ممسوخ (لا هو بالمدينة ولا بالبادية). وفي الوقت نفسه، نصر ونوهم أنفسنا (بوعي أو بدونه)، أننا نعيش في مدن القرن الواحد والعشرين، على الرغم من أن واقع حالنا (الشوارع، الفضاءات العامة، الأسواق، وسائل المواصلات العامة…الخ)، يفند ذلك. ويؤكد أن الإنسان اليوم، يعيش حالة من الفوضى والسيبة والغرق في التخلف حتى الأذنين. لتتساوى قطعان الكلاب الضالة مع الإنسان الذي تمادى هو كذلك في غيه وضلاله.
وإذا كانت السلطات المعنية بالأمر تشنّ (ولا تزال) حملتها على قطعان الكلاب الضالّة، إثر تفاقم شكاوى المواطنين من كثرة هذه القطعان التي باتت تجوب الشوارع، وتثير الهلع، فإن قطعان بني البشر في حاجة ماسة إلى من ينقذها من هذا الضلال كذلك. ليس اعتمادا على كتاب ”المنقذ من الضلال’‘ لأبي حامد الغزالي رحمه الله، بل من خلال المثل الشعبي المتداول “اضرب الفالت يخاف المربوط“.
من قطيع الأغنام إلى قطيع الكلاب
تاريخياً، كان القضاء على هذه الكلاب الضالة، يتم بواسطة عملية التسميم، أو رميا بالرصاص من خلال استخدام الذخيرة، والتي أعطت دليلاً واضحاً على انخفاض أعداد الكلاب الضالة. لكن في المقابل، تتسبب هذه الطريقة في معاناة هذه الحيوانات بشكل كبير (مما أدى إلى دخول جمعيات الرفق بالحيوان على الخط). كما أثر ذلك على البيئة المحيطة بهذه الحيوانات، والمجموعات الأخرى من الحيوانات، ناهيك عن الخسائر المادية. خاصة وأن هذه الحيوانات (الكلاب والقطط) الضالة تم الاحتفاظ بها كحيوانات عاملة (الكلاب)، أو كحيوانات أليفة (القطط)، والتي إما أنها هربت أو تم التخلي عنها. خاصة الكلاب التي كانت تساعد الكساب في مراقبة قطيع المواشي. وبما أن قطيع الأغنام قد تراجع بشكل رهيب. حتى تحول القطيع، من قطيع أغنام، إلى قطيع كلاب من خلال مجموعات متفرقة هنا وهناك في شوارع مدننا. تعيش على مقربة من الإنسان من أجل البقاء. لكونها تنجذب نحو الأماكن التي يعيش فيها الناس، حيث القمامة التي تُدار بمختلف مدننا بصورة سيئة، وتعتبر أكبر جاذب للكلاب الضالة.
لهذا، أنيط هذا الدور المركزي بوزارة الداخلية (خاصة المديرية العامة للجماعات). حيث تكفلت لجنها التقنية الخاصة بالتتبع والتقييم، نظرا لقربها من الساكنة. كما أنها أكثر معرفة بطرق التعامل مع هذه الحيوانات، وبالأساليب اللازمة للتعامل معها. لكونها أقامت أغلب مقاربات برامجها التنموية المستدامة، على ثلاثة أبعاد أساسية (البعد الإقتصادي والبعد الإجتماعي ثم البعد البيئي). على الرغم من أن الجانب البيئي يستوجب الإنطلاق من منظور شمولي لا تجزيئي. بمعنى حماية المحيط بما فيه، والحفاظ عليه في الوقت نفسه. لأن كل نوع أو صنف من الحيوانات أو أي عنصر من عناصر البيئة، يشكل جزء من هذه البيئة. مما يستوجب وعيا ودراية تامة بكل جزء من أجزاء هذه البيئة.
أفتونا في هذا الأمر
وبما أن قطيعنا اليوم قد تحول من قطيع أغنام إلى قطيع كلاب. فقد يتساءل سائل (وهذا من حقه، لأن السؤال هو الأصل)، هل يمكن لعلمائنا الأجلاء أن يفتونا في أمر قطيع الكلاب الذي يجوب شوارع مدننا؟ هل يمكنهم تحليل أكل لحم هذا القطيع من الكلاب الضالة، خاصة في غياب (ندرة) قطيع الغنم؟ وأن” خيرنا ما يديه غيرنا” كما يقول المثل. أسوة بإخواننا الصينيون الذين كانوا يأكلون القطط والكلاب وكل ما يدب على الأرض. لكن سيقول أهل الحل والعقد، أن هذا الرأي مردود جملة وتفصيلا. لأن هذه الفعل الشنيع لا يليق بخير أمة أخرجت للناس. لكن أليست الصين اليوم التي تأكل كل شيء، هي خير أمة أخرجت للناس؟ لكونها هيمنت على اقتصاد العالم، وتصنع كل شيء، وطورت مجالاتها العلمية التي شكلت قاطرة العالم في مجال التقنية.





