
بقلم: سعيد بوعيطة*

حين صاغ جحا حكاية مسماره الشهير، كان يتوقع أن يأتي على الناس يوم تنطبق فيه تلك الحكاية تماما على سلوك جيران المغرب في وقتنا الحاضر. فالحكاية تقول إن جحا كان يملك بيتا، وأنه قد واجه ظروفا طارئة في حياته، اقتضت منه أن يبيع البيت. وقد حاول مراراً أن يتفادى بيع البيت العزيز على قلبه، لكن دون جدوى. مما جعل كل الطرق تؤدي إلى إتمام عملية البيع. وعندما اكتشف جحا أنه لا بديل عن نقل ملكية بيته إلى مشتريه (صاحب البيت الجديد)، بات يفكر في طريقة تجعل الصلة قائمة، ودائمة، بينه وبين البيت على الرغم من أنه لم يعد بيته. وبعد طول تفكير، هداه شيطانه (إذا جاز للشيطان أن يهدي أحداً إلى طريق الصواب) إلى أن يدق مسماراً في جدار من جدران البيت، وأن يشترط على المشتري شيئاً واحداً، هو أن تنتقل الملكية إلى هذا المشتري كاملة، إلا المسمار، فسوف يظل ملكاً خالصاً لجحا، وسوف يكون من حقه أن يباشر حقوق الملكية على مسماره، بما في ذلك زيارة البيت، في أي وقت، من أجل الاطمئنان على حالة المسمار، وعلى أن المسمار مستقر في مكانه، وعلى أن صاحب البيت الجديد لم يتصرف فيه، ولم يحركه إلى مكان آخر.
في البداية، لم ينتبه المشتري إلى ما أراده جحا الخبيث، من وراء هذه الحيلة العجيبة، واعتبر أن وجود مسمار في واحد من جدران البيت، مسألة لا ضرر فيها وسيزول المسمار مع مرور الزمن، كما أن المسار بلا قيمة. لكن بمرور الوقت، وبتكرار زيارات جحا للبيت، ضاق صاحب البيت الجديد بالحكاية، ولم يعد يعرف كيف يمكن أن يتصرف، خصوصا أن شروط البيع كانت واضحة، وأن العقد هو شريعة المتعاقدين، ولا يجوز لأحد طرفيه الإخلال بما فيه، وإلا خضع للعقاب المنصوص عليه في العقد نفسه. لهذا، كان الرجل يحاول أن يتحمل جحا، ويتعايش معه، ومع سخفه، وبالذات بعد أن تبين له أن جحا قد قصدها منذ البداية، وأن المسمار لا يعود عليه بشيء، سوى الرغبة في التشويش قدر إمكانه على مالك البيت والتدخل في خصوصياته باستمرار من يومها. إنه حال دولة العسكر ومسمارها (البوليساريو) الذي اعتلاه الصدأ.
دولة العسكر ومسمارها
صارت هذه الحكاية تضرب مثلا، على الشيء الذي هو في غير مكانه، أو على من يتدخل فيما لا يعنيه، أو حتى على الدولة في عالمنا المعاصر التي تدس أنفها فيما لا شأن لها به. لهذا، لا نجد فرقا بين جحا في زمانه، ودولة العسكر في زماننا، وهي تمد يديها، وأحيانا رجليها، في أكثر من أرض ليست لها. بدءاً من الصحراء المغربية، ومروراً بالعديد من الدول الافريقية. لولا أن انتبهت قيادات الدول الافريقية ومعها أغلب قيادات دول العالم الغربي والأسيوي وحتى الأمريكي، إلى خطورة ذلك. فراحت تطوق ألاعيبها من كل اتجاه، لهذا، فإن حجا (دولة العسكر) فهم، واستوعب، أن ما جاز لجحا في وقته الماضي (في حكايته التراثية مع جاره)، لا يجوز له في وقتنا الحاضر. ولأنه يدرك أن هناك فارقا كالذي بين السماء والأرض بين مجرد مسمار من حديد في أيام جحا ذات زمكان، وبين حفنة من المواطنين في هذه الرقعة من الصحراء. لا يليق أن يعاملهم جحا (دولة العسكر ) وكأنهم مسمار لا روح فيه ولا عنده إرادة حية لتقرير المصير الذي لا غبار عليه. ثم أن وجود هذه الحفنة من الناس في هذه الرقعة من الصحراء، لا يبرر لدولة العسكر أبداً أن تقحم نفسها في مصير هؤلاء الصحراويين، شأنها في ذلك شأن جحا في عبثه. وتنسى في الوقت نفسه أنه لا أحد من حقه منع هذا المواطن الصحراوي من ارتباطه بوطنه الأصل (المغرب). لكن دولة العسكر، ولحاجة (حاجات) في نفس يعقوب، تجعل من مسمارها موضعاً للجدل، وللنقاش، ثم تنسى أن ذلك كله لا ينفي أنها تغالط، وأنها تخلط الأوراق، وأن ما تفعله مكشوف بكامله، ومرفوض جملة وتفصيلا محليا وإقليميا ودوليا.
مسمار جحا الصدأ، حان وقت اقتلاقه
اليوم اتضح للداني والقاصي في مختلف بقاع العالم أن حكاية جحا قد كانت حكاية فاسدة من الأصل، ولا تزال. صارت فاسدة، لأن المغرب لن يقبل بتبديل هويته، ولا بتزييف تاريخه، وأن احتضان دولة للعسكر لهذه الحفنة من الناس، صناعة إرهابية بادية للعيان. وهو ما يعضده المشروع القانوني في الكونغرس الذي يسعى لتصنيف مسمار جحا (جبهة البوليساريو) منظمة إرهابية. ليجد جحا (دولة العسكر) نفسه داعما للإرهاب وفي موقف حرج. أما مسماره الذي اعتلاه الصدأ، فعليه التخلص منه بشكل من الأشكال. لأنه تآكل وتأكسد. مما قد سيسبب له مرض الكزاز. وقد يطلب كما يقول المثل المغربي (العربي) المتداول ”السلة بلا عنب”. لكنه في كلتا الحالتين خاسر، لا هو حصل على العنب، ولا هو استرجع سلته.
بين حجا ومسماره (عود على بدء)
إن إعادة قراءة حكاية جحا القديمة في ظل ممارسات دولة العسكر، سوف تجعلنا نتخيل أن مسمار جحا قد جاءت عليه مرحلة من مراحل الحكاية، بادر هو فيها نفسه برفض وصاية جحا عليه (إذا جاز للمسمار أن يرفض الوصايات). فقد يهتدي إلى الصواب الذي هو العودة إلى الأصل (المغرب). بشرط أن يكون ولاؤه الأول والأخير لبلده الذي يعيش على أرضه، ولوطنه الذي يحمل اسمه وجنسيته، ولسمائه التي يتنفس هواءها. وهي مسألة لا يتصور عاقل أن تكون موضع جدل أو نقاش.
*باحث مغربي






