أخبارفي الصميممجتمع

العيد الكبير!

بقلم: عبد الدين حمروش

بقلم: عبد الدين حمروش

 

يصف المغاربيون العيد، الذي تُنحر فيه الأضاحي، بالكبير. غير أن العيد لا يستقيم، في معناه، إلا بوجود العيد الصغير. والحال أن العيد الأول يكتسب “كِبَره” من نحر الأضحية، بينما العيد الثاني يظل صغيرا، بالنظر إلى افتقاده طقس التضحية. غير أننا إذا تقصينا عناصر المقارنة، من الناحية الرمزية الدينية، سنجد أن الأولية تكون للعيد الصغير. في العيد الأخير، يأتي الاحتفال تتويجا لصيام شهر كامل، وهو ركن من أركان الإسلام. ومثلما ورد في الأثر الشريف، فللصائم فرحتان: فرحة الإفطار، وفرحة لقاء ربه بالصوم. إذاً، من أين يأتي كِبر العيد الأول؟ هل من نحر الأضحية في حد ذاتها، والتوسعة على الأهل، مع ما يرافق ذلك من طقوس احتفالية؟

مع تعاقب السنين والعقود، سيتحول العيد الكبير إلى “طقس الدم”، بالموازاة مع طقوس أخرى، لإسالة الدم في مناسبات مختلفة، دينية وغير دينية. نحر الأضحية، لدى عديدين، يتقدم الصلاة والصيام أحيانا. وفي المقابل، قد يوازي عدم النحر الإحساس بالعجز (الرجولي)، والمهانة (الاجتماعية). ولذلك، يجتهد الجميع، من المسحوقين اجتماعيا، بشكل خاص، في توفير أثمنة الأضاحي، حتى ولو عبر “السلفات الصغرى”. الاستطاعة، هنا، لا يصير لها أي معنى. الأغلبية تستطيع، على الرغم من شمولها بعدم الاستطاعة.

الإهابة الملكية بعدم نحر الأضاحي، لأسباب لها علاقة بالحفاظ على القطيع الوطني وغير ذلك، ستصيب قطاعا واسعا من المغاربة بـ “الدوخة” الكبرى. بعض منهم احتال في توفير الأضحية، التقاءً مع مصالح بعض من “الكسّابة”، الذين التفوا على الإهابة الملكية. أما بعض آخر، فقد اشترى الأضحية مجزأة من الجزار، بفعل شراء اللحم “بالكيلو”، إلى درجة جعلت الأثمنة ترتفع بشكل قياسي. احتجاجات المواطنين من ارتفاع أثمنة اللحوم، طيلة سنة كاملة، ذهبت سدى خلال أسبوع واحد، سبق يوم العيد مباشرة. ذلك أنه على الرغم من جشع المضاربين في أثمنة اللحوم الحمراء، الذي وُجِّهت في إثْره انتقادات واتهامات (حتى) إلى حكومة أخنوش، فإن الجشع الكبير ظل يأتي مصدره من المواطن المتضرر نفسه. ببساطة، المفارقة هي كالآتي: لا يمكن أن تشتكي من ارتفاع الأثمنة، في حين تكون المسؤول الأول عن ارتفاعها!

مرّ العيد الكبير في جو هادىء بشكل عام: بدون دم، ولا سكاكين، ولا أزبال متراكمة في الجنبات.. ولا ارتفاع دم، ولا كوليسترول. وحتى مَن نحر الأضحية، ممن لم يتصوروا عيدا كبيرا بدون دم، فقد استوفوا جميع الاحترازات الضرورية، لتظل التضحية في حكم المعدومة. فقط، كانت هناك فلول من الأدخنة تتعالى من فوق الأسطح، مثلما كانت روائح الشواء تتهادى مع النسائم. هل نفكر، مستقبلا، مع تجربة العيد هذا، في الإقلاع عن نحر الأضاحي، كما هي الحال لدى عدد من الشعوب الإسلامية؟ بالتأكيد، ستتأثر البادية، الذي يعمل فيها الفلاحون على تربية المواشي، بفقدان مبالغ تصل إلى الملايين من الدراهم. غير أن هناك إيجابيات عديدة، يمكن أن يُخلِّفها التخلي عن نحر الأضحية. شعيرة التضحية بـ “الحولي”، كما هو في الأثر، سنة مؤكدة. غير أن جوانب كثيرة، اقتصادية واجتماعية وثقافية، باتت تحيط بها. أما في الوقت الحالي، حيث يباد شعب كامل بفلسطين، فإن العيد، ممن عجزوا عن نصرة أهلهم هناك، فهو الدعاء لهم بالعون، والمدد، والرحمة.

اللي اصعيب، في الأمور كلها، هو البداية. وها قد مرت. فهل تتكرر؟

 

زر الذهاب إلى الأعلى
Soyez le premier à lire nos articles en activant les notifications ! Activer Non Merci