لست معنيا بالجوانب القانونية، دوليةً كانت أو وطنية، في ما يتعلق بنزع ملكية تمثيلية سفارة الجزائر بالرباط. ولست معنيا أيضا بالحيثيات التي بنت عليها بلادي قرارها. ففي قضية التراب أكون تروتسكيا وفوضويا وبي مَسٌّ غير قليل من الوثنية :بلادي دوما على حق!.. ولست متحمسا لمعرفة المزيد عن توترات هذا الوضع وتطوراته، على ضوء تهديد الجنرالات بالرد على المغرب. وإن كنت لا رأى في أكثر الاحتمالات خيالية جنودا من انكشارية »شنقريحة« ينزلون بالمظلات في شارع النصر بالرباط ويحاصرون أرضهم في عاصمة المُلْك كما لو كانت بلادنا محمية عثمانية بيد القراصنة.. باباعروج و بارباروسا!
وبصدق يفوق كل توقعات المعنيين، لم أبذل مجهودا كبيرا في البحث عن التسويغ القانوني لقرار المملكة المغربية في استرجاع بعض من ترابها لخدمة الصالح العام. ولا عن معنى الصالح العام في القانون الدولي، ولا ما يظنه الفقهاء الدوليون في فيينا بخصوصنا في الرباط ـ زعير؟ ولا أريد الاجتهاد بخصوص أحسن وأذكى تدبير ديبلوماسي مطلوب في هاته النازلة، :هل تكون الأولوية للحفاظ على مزاج الرئيس عبد المجيد تبون أم لتحقيق المصلحة العامة؟ ما يعنيني حقا، هو الرد الجزائري الغاضب، جراء »نزع« بعض أمتار مربعة من »التراب الديبلوماسي« المفترض للوزير أحمد عطاف في المغرب.. وهو رد كالتهديد من وراء حدود مغلقة!
فلم يسبق أبدا أن كان قرار استرجاع بعض من الأرض المغربية محط فرح وتصفيق جزائري. حتى نقول بأن القلق اليوم والغضب يتطلبان منا بعض الاجتهاد واقتسام الشعور الحزين لساكن قصر المرادية… أبدا:فالجزائر النظامية خاضت حربا، تدوم منذ 50 سنة، في أكبر مؤامرة ضد بلاد حديثة العهد بالاستقلال لأن المغرب قرر استرجاع جزء من ترابه في الجنوب.!. وهي تستعد، على قدم وساق، من أجل أن تنزع منه أرضه في الشمال باحتضان كل مناشير الخيانة والارتزاق والشرر المتطاير، لاقتطاع الريف من مغربه! وهي لن تقتنع أبدا بكل ما سيقدمه المغرب من حجج ومن مساطر ومن مراجع دولية قديمة وحديثة قانونية ودينية وسياسية وعمرانية، إذا كان المغرب هو من يسترجع جزءا من أرضه. وهي تقتات من كل موائد الاستعمار الحديثة والقديمة:ضد وحدة التراب المغربي شرقا، بدعوى الحدود الموروثة عن الاستعمار! ضد وحدته جنوبا. بدعوى تقرير مصير الشعوب… ضد وحدة المغرب شمالا بدعوى الحق في الجمهورية… وضد إعادة امتلاك مترات مربعة في الرباط بدعوى اتفاقية فيينا!. لم ترضخ للحقيقة وهي مدعومة بالكيلومترات من الوثائق … والجزائر لن تتبع المنطق الوحدوي للمغرب ولو أتى قادما على صهوة الشرعية الدولية وقرارات محكمة العدل، ولا اقتنعت بالوحدة الترابية والعالم كله يعترف بها… فلماذا ستقتنع الآن بوثائق جريدة المغرب الرسمية؟ لا شيء يضمن ذلك..
إنه جحا يسكن قصر المرادية ويفكر في الشؤون الدولية!
يملك المغرب من الوثائق ما يمكنه أن يغطي بها التراب الجزائري كله، بخصوص أراضيه وترابه الواسع الذي اقتطعته فرنسا وضمته إلى الجزائر.. ولكن الجزائر النظامية لا ترى من كل هذا سوى قطعة تراب في قلب المغرب تعتبرها ملكيتها بمقتضي قانون دولي لم تعترف به ولا هي تفاعلت معه كلما تعلق الأمر بتراب المغرب…
لماذا ستفعل الآن؟
ما يهمني حقا هو أن تشعر الجزائر، ولو بافتعال ذلك عبر جعجعة ديبلوماسية .، بمعنى أن تفقد جزءا من ترابك ولو في وعلى وتحت الورق!!!
ما يعنيني أن الانحدار وصل إلى طابق عميق من السياسة السفلية.. لعلها الأسفلية! الجزائر التي تنتفض لحقها الديبلوماسي في بعض التراب المغربي لا تذكر بأنها نسفت الديبلوماسية! ولا تتذكر بأن حقها الديبلوماسي من التراب لا يمكن أن يستقيم مع إلغاء الديبلوماسية أصلا… أتسمعني يا جحا!