بقلم: زكية لعروسي
في ظل التحولات السياسية العميقة التي يشهدها العالم العربي، والاضطرابات المتزايدة التي أطاحت بأنظمة وأرست أخرى على جمر من الشك والريبة، يبدو أن العلاقة الجزائرية-المغربية تأخذ بُعدًا جديدًا يتجاوز الحسابات التقليدية إلى ما هو أبعد من ذلك. وكما يُقال: “الخوف أطول من الأمل”، فإن هذا الشعور بالخوف يخيّم على النظام الجزائري الذي يراقب عن كثب ما يجري في دول الجوار، خاصة مع التغيرات الكبرى التي عصفت بالنظام السوري.
من المثير للاهتمام أن الخطاب السياسي والإعلامي في الجزائر بات يولِي اهتمامًا ملحوظًا بالمواقف المغربية من الأوضاع في سوريا ظاهرا وباطنا. إذ أظهرت بعض القوى السياسية المغربية مواقف صريحة تجاه مصير النظام السوري، مثل جماعة العدل والإحسان، التي دعت إلى دعم الشعب السوري في نضاله من أجل الكرامة والحرية، وهو ما يتعارض مع رؤية الجار التي لطالما دعمت النظام السوري السابق باعتباره “جزءًا من محور المقاومة”.
هذه المواقف المغربية تثير قلق نظام الجينرالات بشكل ملحوظ، ليس بسبب تعاطف المغرب مع الشعب السوري فحسب، بل لأن النظام في الجزائر يرى في هذا التعاطف انعكاسًا لحالة يمكن أن تطاله. وكما يقول المثل: “اللي في كرشه التبن يخاف من النار”، فإن النظام الجزائري يشعر بتهديد داخلي من أي تغيير محتمل في مزاج الشعب أو تراجع شرعيته.
هناك تساؤلات متزايدة حول سر هذا القلق تجاه المغرب ومواقفه. فالتاريخ الحديث أثبت أن النظام الجزائري يواجه مشاكل بنيوية عميقة، بدءًا من الوضع الاقتصادي المتأزم، وصولًا إلى فقدان الثقة الشعبية. وإذا أضفنا إلى ذلك التحديات الخارجية، مثل الضغوط الأوروبية، فإن النظام يبدو وكأنه يقف على “أرض رخوة”، ولعل استدعاء السفير الفرنسي من طرف النظام يأتي ليأكد هذا القلق .
أصبح من الواضح أن الشعب الجزائري لم يعد يتحمل وطأة الأزمات المتراكمة، ولربما ينطبق على الوضع الحالي المثل القائل: “السكين وصل للعظم”. هذه الأزمات الداخلية تُشعل في النظام مخاوف من أن يُعيد التاريخ نفسه كما حدث في دول أخرى، حيث ثار الشعب على حكامه عندما بلغ الفقر والفساد حدًّا لا يُطاق.
على الجهة المقابلة، يبدو المغرب ماضياً بثبات نحو تحقيق أهدافه التنموية والسياسية، بعيدًا عن الانشغال بتصدعات النظام الجزائري. وكما يقول المثل: “الكلب ينبح والقافلة تسير”، فإن المغرب يُدرك أن محاولات التشويش أو إثارة البلبلة لا تصب إلا في خانة الإحباط السياسي للجار.
ما يُثير الإعجاب في الموقف المغربي هو التزامه بمبادئ الأخوة وحسن الجوار، رغم الاستفزازات المتكررة. الشعبان المغربي والجزائري يا قارئي العزيز يجمعهما الدين، اللغة، والتاريخ المشترك، وهذه الروابط أعمق بكثير من أن السياسة ليست مجرد ردود أفعال أو ارتجاف عند كل منعطف، بل هي فن التروي والحكمة. وربما آن الأوان للنظام الجزائري أن يُعيد حساباته ويفكر في الإصلاحات الداخلية بدلًا من تصدير أزماته إلى الخارج. فالبيت الداخلي هو الأولوية، والمستقبل لا يبنى على الخوف وإنما على الثقة المتبادلة بين الحاكم والمحكوم.
وكما يُقال: “من حفر حفرة لأخيه وقع فيها”، فإن التركيز على الإضرار بجار قد يؤدي إلى نتائج عكسية تُضعف الداخل قبل أن تُؤثر على الخارج. ومن هنا، يبقى الأمل أن تنتصر الحكمة على التوترات، وأن تُفتح صفحة جديدة تعود بالنفع على الشعبين الشقيقين، بعيدًا عن وساوس النفوس وضعف المواقف.