لولا الجولة الأخيرة من مباريات كرة القدم، ما كان ليعلو موضوع على العلاقات الرضائية في الآونة الأخيرة. والواقع أنه منذ سنوات، أي قبل أكثر من ثلاث، تقريبا، أخذ موضوع العلاقات الجنسية الرضائية يهيمن على السجالات السياسية- الحقوقية بالمغرب. كيفما كانت وجهات النظر، في هذا الاتجاه أو ذاك، يبدو ان المغرب آخذ في التعاطي مع القضايا الثقافية والحقوقية الأكثر استشكالا، والأشد إثارة للاستقطاب.
بالعودة الى الوراء قليلا، كان هناك فيديو قد انتشر، مثل النار في الهشيم، يصور مشهد لقاء بين عبد الإله بنكيران وعبد اللطيف وهبي، بعد الخروج من ضريح محمد الخامس مباشرة. اللقاء العابر، على الرغم من قصره، جمع بين شخصيتين سياسيتين على طرفي نقيض ظاهريا على الأقل: بنكيران الذي يتبنى موقف الاستنكار من العلاقات الرضائية “العلنية”، ووهبي الذي يتبنى إمكانية النظر في تسويغ هذه العلاقات”ضمن إطار وقراءة معينين”. في المشهد المصور، الذي دار فيه حوار قصير، يمكن استخلاص وجهتي نظر، بناء على مرجعيتين مختلفتين: إحداهما اخلاقية ترتكز على أساس ديني معياري، وثانيتهما ترتكز على أساس واقعي معيش. وعلى الرغم من ان السجال كان ديدنهما في ذلك اللقاء، فقد بدا وهبي أكثر واقعية، على اعتبار انتشار العلاقات الجنسية الرضائية بين المواطنين، بمن فيهم محازبو العدالة والتنمية أنفسهم. وتأكيدا لذلك، اكتفى وهبي بتذكير بنكيران بواقعة “المنصورية”، عبر الهمس في أذن غريمه السياسي”اللهم العلاقات الرضائية ولا لابلاج”.
لقد كانت واقعة ساحل المنصورية شاهدة على الواقعية، التي انطلق منها وهبي، والتي لم يسلم منها أحد الدعاة الإسلاميين الكبار، حين أجاب رجال الدرك، وهو بين أيديهم لا حيلة له، بأن هناك زواجا عرفيا يربطه برفيقته الداعية الإسلامية هي الأخرى.
كيفما كانت التسمية، أعلاقة بالعرف أم بالفاتحة أم بالتراضي، فكل تلك العلاقات تندرج في شبه الإطار “ذاته”، مادامت غير موثقة، جميعا، بالصيغة التقليدية المعروفة. وتبعا لهذا، فإن الاستنتاج الذي يمكن الخروج به، من هذه الملاحظة المقارنة، هو كالآتي: قوة سلطة الواقع الرضائي على العلاقات الحميمية بين الجنسين، وإن كانت هذه العلاقات تتخذ لها تسميات عديدة.
اذا، ما العمل في حال تدخل الدولة؟
الجواب يأتي من إسلامي آخر، وهو مصطفى الرميد، الذي شغل منصب وزير العدل في السابق. ومؤدى ذلك الجواب، ان ليس من حق الدولة نهائيا “اقتحام الفضاء الخاص والتجسس والتلصص وكسر الأبواب على الراشدين الراغبين في ممارسة حميمياتهما”. بالنسبةِ إلى رأي الرميد هذا، يمكن قراءته في ظل أهمية توافر اشتراطين يستلزم أحدهما الاخر: السرية في ممارسة العلاقة الحميمية، مقابل عدم تدخل الدولة في هذه العلاقة. لكن، في حال تحققت السرية، كيف سيكون الوضع القانوني للطرفين المتراضيين، إذا ما “تلصصت الدولة وكسرت الأبواب” عليهما، وضبطتهما متلبسين بالسرية؟ ثم ماذا سيكون عليه موقف الرميد عند تدخل الدولة حينئذ؟ هنا، وزير العدالة والتنمية السابق في العدل لا يحار جوابا، بحكم كونه لا يتقدم نحو طلب إلغاء تجريم هذه العلاقات قانونيا. عبارة “ليس من حق الدولة”، يفترض ان تأخذ صيغتها القانونية بعدم التجريم، ان أراد الوزير السابق ان يكون لكلامه صفة المفعولية، وبالتالي أن يدرأ عن نفسه التناقض في الموقف، أو تبني نصف الموقف.
والمفارقة أنه، وعلى الرغم من سريان تجريم العلاقات الرضائية في بلادنا، فإن التركيز، من إسلاميي “العدالة والتنمية”، ينصب على الاكتفاء بعدم المجاهرة بالعلاقة فقط. وبالتالي، فإن الخلاصة، التي يمكن ترتيبها عن هذا الموقف، هي: من أراد ان يدخل في علاقة خارج الزواج التقليدي، فذلك شأنه الشخصي والخاص، لكن بشرط ان ترافقه السرية، دون ضمان عدم تدخل “شرطة الأخلاق” بالطبع (ههه).
ما من شك في أن الدعوة إلى تبني السرية، من قبل الإسلاميين، تخدم خلفيتهم الدينية، ومرجعيتهم الأخلاقية. والملاحظ أن إمكانية تسويغ “السكوت” على العلاقات التي تتم في السر، بالنسبةِ إلى الإسلاميين والمحافظين، بصفة عامة، أهون من: المجاهرة بها علانية من جهة، وتسويغها قانونيا (بعدم تجريمها) من جهة ثانية. ومع ذلك، وفي المحصلة، أليس في هذا الموقف إقرار ما بالعلاقات الرضائية، وإن لم يصل إلى حد المطالبة بعدم تجريمها، حماية للمتراضين جنسيا؟
في المنحى العام، لا يختلف عبد الإله بنكيران عن مصطفى الرميد، لولا ان الأول يدرج العلاقات الرضائية ضمن إطار التحذير من المثلية والخيانة الزوجية، بهدف ضمان التاثير الأخلاقي القوي على المتلقين، في لقاء دعائي له ببني ملال. وعلى الرغم من أنه يدرج العلاقات الرضائية في خانة الفساد، إلا أنه يبدو، من الناحية البراغماتية، مستعدا لأن يتقبلها في الأخير، إن كانت تحصل في السر بالقطع، وليس “بالعلالي” بحسب عبارته.
ولانه لم يسجل موقفا “نظريا” من تدخل الدولة، بخلاف زميله الرميد، فقد بات من الطبيعي عدم توقع أي موقف من بنكيران، في مسألة اتخاذ الموقف من تدخل الدولة في العلاقة السرية بين المتراضيين، التي غالبا ما تكون نتيجة وشاية ما من أحد.
في الأخير، لا يبدو أن هناك اختلافا بين الموقفين، التقليدي والحداثي، كما وردا على ألسنة أصحابهما، مادام الجميع يتقبل العلاقة الرضائية، وإن مع اشتراط الإسلاميين تمامها في السر. ولتوضيح موقف الإسلاميين هذا، يمكن الاستشهاد ببعض ما قاله بنكيران، كما ورد على لسان إحدى وسائل الإعلام: “ما كاين حد يدخل فحد منين شي حد كيعمل شي مصيبة وهو مستور.
وكل هادو ابغاو هادشي يبقى يوقع بالعلالي وما تدخلش الدولة”. ولكن، حين تتم العلاقة بالسر، ومع ذلك تتدخل الدولة، فإن بنكيران لا يعبر عن موقف، ولو كان نظريا مثل الرميد.
في جانب آخر من الموضوع، وفي ما يتعلق بصفة السرية، التي يشدد الإسلاميون على توافرها، يمكن استنتاج مفارقة خطيرة، مفادها أن ليس هناك علاقة حميمية تتم بالجهر، بما فيها تلك التي يؤطرها الزواج التقليدي. ولذلك، فإن شرط “عدم المجاهرة” يحتاج إلى توضيح أكبر من الناحية الفقهية القانونية. وعلاوة على السرية، هناك أمر آخر يتطلبه الإسلاميون، وهو عدم المس بالنص”القانوني” المجرم للعلاقات الرضائية، مع إمكانية إهماله إذا ما توافر شرط السرية. الاعتراف بالواقع الرضائي، إن حصل، من هذه الناحية، لا ينبغي ان يشمل تغيير النص القانوني (التجريم) بالنسبةِ اليهم.
بعد بنكيران والرميد، هناك طرح متقدم لإسلامي اخر، وهو الأستاذ عبد الوهاب رفيقي، الذي يرى ان العلاقات الرضائية منتشرة في المجتمع، وبالتالي فهي بمثابة الواقع الذي لا يرتفع. ومن أهم ملاحظات رفيقي، الذي يتقاطع رأيه مع رأي الحداثيين، بهذا الخصوص، الإحالة إلى أن المسلمين عرفوا أشكالا عدة من الزواج، بناء على تتالي الحقب والعصور، واختلافها ثقافيا واجتماعيا. ولعل السؤال، الذي يمكن ترتيبه عن هذه المعاينة، هو: هل يمكن النظر الى العلاقات الرضائية باعتبارها شكلا من أشكال الارتباط بين الجنسين؟