مقلاة أبي و مقلاة بشار (بقلم الدكتور عبد الدين حمروش)

عُمر المقلاة الماثلة في الصورة: 47 عاما. بداية استعمالها، بالتقريب، وافقت تاريخ انطلاق المسيرة الخضراء. وعلى الرغم من انتهاء صلاحيتها، إلا أنني مازلت أحتفظ بها. وإن كنت مولعا بحفظ المستلزمات الشخصية القديمة (ملابس، محافظ، اوراق، الخ)، أطول مدة من الزمن، الا أن حفظي للمقلاة المعروضة لا يكاد يوازيه حفظ لأي شيء آخر. ولو قدر لي ان أوصي بشيء، فسأوصي بِنتيّ بالاستمرار في الحفاظ على المقلاة.

بالطبع، المقلاة لم تعد تعني شيئا من الناحية المادية، بعد انتهاء صلاحيتها الوظيفية. ومع ذلك، فاستمرار وجودها عندي، أينما حللت وارتحلت، له اكثر من معنى. فقد باتت المقلاة تؤشر على تحشيد دلالي- رمزي في غاية الثراء بالنسبة إلي.. وإلا ما كانت الحاجة إلى الاحتفاظ بها كل هذه العقود من السنوات. فعلاوة على كونها تؤرخ للبداية الفعلية لاسترجاع الصحراء المغربية، فإنها تؤرخ، بالتوازي، لحياة المرابطة العسكرية على ثخومها: مرابطة والدي وباقي رفاق السلاح من الجنود المغاربة (ومنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر). لقد شهدت تلك المقلاة جميع المعارك القاسية، التي اندلعت في سبيل تحرير الصحراء، وتامينها تامينا تاما.

 

 

 

انها مقلاة تاريخية، استعملت لإعداد الطعام، خلال لحظات التوجس والترقب، الخوف والقلق، الإحباط والأمل. وهي، فوق ذلك، أقوى شاهد على مغرب يتحول بصعوبة: من زمن الانقلابات العسكرية الطاحنة الى زمن التوافقات لاستكمال الوحدة الترابية. لم تكن الأقاليم الجنوبية قضية القصر الملكي وحده، كما يزعم القادة في نظام العسكر الجزائري وبعض مُحازبيهم، بل كانت وستبقى قضية شعب بأكمله. ولعل هذا ما أدركته إسبانيا في قرارها الأخير، حين أقر رئيس حكومتها بيدرو سانشيز بأهمية الصحراء بالنسبة الى الشعب المغربي.

مقلاة بشار بن برد يحفظها شعره، أي بما هزج به الشاعر، لحظة، لجاريته:
ربابة ربة البيت// تصب الخل في الزيت
لها سبع دجاجات // وديك حسن الصوت

اما مقلاة والدي، فيحفظها التاريخ في أنصع صفحاته: تاريخ استرجاع الصحراء الى حوزة الوطن..
رحم الله الوالد وباقي الشهداء، وكتب الصحة لمن هم على قيد الحياة من رفاق السلاح.