الكتابة الموسيقية والتواصل الموسيقي (بقلم د. جمال الدين بنحدو)

إن الحديث عن وجود كتابة موسيقية أو أي تدوين لها على الشكل العلمي الذي نعرفه الآن وفي عهد الفراعنة ليعد من المستحيلات. لكن العالم Hans Hickmann هانس هيكمن حاول، بل أصر، على إيجاد تفسيرات إيمائية لعلامات عثر عليها في المعابد والمقابر مصاحبة للوحات ترسم تلك الجلسات الموسيقية. وبما أن تلك العلامات كانت قليلة، فقد رجح أنها تعبر عن الاستمرار في الغناء أو إعادة الجملة الموسيقية أو رفع الصوت أو خفضه، ولكن ما أثار إعجابه وانبهاره هو ملاحظته الأوضاع المختلفة، والتي وجد عليها مسير فرقة متنوعة الآلات والمعازف، حيث فسر ذلك بكون المسير كان يبذل مجهودا كبيرا وخطيرا، حيث يخاطب العازفين بحركات عديدة ومختلفة جدا ومعقدة عكس مسير الفرقة اليوم، حيث لا يتحكم في فرقته إلا ليعطي الانطلاقة وليحسم في النهاية ليوقف نوتة التي لا وجه لها على ورقات النوتة، ذلك لأن كل موسيقي وعازف ملتزم بالمعزوفة المكتوبة أمامه بدقة متناهية، والجميل في الأمر كذلك هو قراءته لتعدد حركات مسير العهد الفرعوني وتعدد العازفين في لوحة واحدة تدل على أن الإنسان في ذلك العهد عرف بدايات الموسيقى المتعددة الأصوات musique polyphonique التي زخرت بها الكنائس فيما بعد .

وهذه أمثلة على تلك الرسوم والحركات السالفة الذكر، وجدت في قبر بني حسن Béni Hassan والتي تعود إلى عصر الإمبراطورية المتوسطة Moyen Empire ، وكانت مرسومة بعناية أمام المغنين حتى يفهم أنها تخصهم:

فهذه الرسوم مثلا قد تعني حسب هانس إمكانية محاولة لإعادة صوت غنائي ينتهي بكلمة أو جملة خاتمة.

هذا الرسم المتكرر قد يعني الازدواجية أو الثنائية أو تمديد الصوت وقد وجد في رسومات أخرى على هذا الشكل :

وفي قبر thébaine de Kherouef طيبان عثر على رسوم أخرى وهي تعود إلى Nouvel Empire وهي على شكل حروف هيروغليفية تقابلها من الحروف اللاتينية (hnn) وتعني غناء، إلا أن الحرف المكرر وهو n ربما يقصد به حسب باحثنا دائما تمديد الصوت أو إحداث رعشة أو ذبذبة غنائية، فهذا إذا، ما يؤكد الفرضية الأولى؛ فالتكرار مرتان يفيد هنا حركة موجهة للموسيقي من أجل التكرار والتطويل. كذلك الرمز الآتي الذي يلي يفيد الإعادة مرتين وأرجح هذا التفسير، وربما تعود لهذا الرمز حركتنا المشابهة والتي نستعملها بأيدينا الآن منطلقين من النقطة الوسطى لنفيد التكرار وهي حركة يستعملها جل مسيري الفرق الموسيقية.
والفترة نفسها أصبحنا نلاحظ رموزا على شكل نقط حمراء فوق رسم ليد وكأن الأمر يتعلق بعدد التوقيعات أي رسم للإيقاع المتبع: وقد يعني أيضا فترة سكوت لآلة موسيقية ما.

ورغم هذا كله فلا نزعم أن صاحبنا قد اكتشف الكتابة الموسيقية نهائيا وأن المصريين عرفوا في تلك الأزمنة الكتابة الموسيقية ولكن الاكتشافات والبحث الميداني معول عليهما مستقبلا لتأكيد وإتمام هذه الفرضيات .