الأمية في التعليم الموسيقي (بقلم الدكتور جمال الدين بنحدو)

يعيش المغرب منذ عقود مشاكل عديدة في التعليم الموسيقى و ذلك على مستوى المنهجيات و المقررات و غياب الرؤية المستقبلية مع تحديد الأهداف و الغايات، و حتى نفهم أكثر الموضوع لا بد من اتباع طرق البحث العلمي بحيث نعود في بادئ الأمر الى المرجعية التاريخية حتى نفهم و نعي منطلق الظاهرة و مسبباتها الأصلية.

إن التعليم الموسيقى بدأ في الخمسينات بمبادرة خاصة و دافع وطني محظ فالاستاذ الموسيقارعبد الوهاب أڭومي بعد دراسة الموسيقى في مصر رجع إلى الوطن و هو يحمل إيمانا راسخا بكون الموسيقى الراقية و العربية الأصيلة هي الموسيقى المصرية حيث كان منبهرا بالمدرسة الوهابية (نسبة إلى الموسيقار محمد عبد الوهاب و المدرسة الفريدية (فريد الأطرش) إن صح التعبي، فاقتنى مرأبا بمدينة فاس و جعل منه معهدا لتدريس و تعليم الموسيقى، أما على مستوى القطاع العام فكان أول معهد أنشئ وشيد هو المعهد المتواجد بالدارالبيضاء وبالتحديد شارع باريس وهو المعهد الذي أنشأه الفرنسيون بحيث كان نخبويا أي انه لا يلجه إلا أبناءهم و فيما بعد الاعيان. فقط كان لا تلقن فيه الا مبادئ الموسيقى الأوروبية بصولفيجها و آلاتها الغربية كالبيانو و القيتارة و هي الموسيقى التي اصطلح على تسميتها الموسيقى العالمية.

و بذلك نلاحظ أن القطاع الخاص انطلق شرقيا مصريا من أقصى اليمين و القطاع العام انطلق غربيا من أقصى الغرب و بقيت الموسيقات المغربية بمعنى الموسيقى الذي اشترك في إبداعها العربي و الأمازيغي و الافريقي و الأندلسي مسلما كان أم يهوديا حيث عندما نتحدث عن الموسيقى المغربية لا تقف مخيلتنا على نوع واحد بل موزاييك من الموسيقات الفولكلورية و الشعبية المثقفة المدنية و الشعبة القروية و المغربية العصرية و المجموعات و… لهذا أنعتها دائما بالموسيقات المغربية نعم أنها الموسيقات المغربية و ليس الموسيقى المغربية فعند الرجوع إلى الابحاث الوصفية التفصيلية التي قام بها الفرنسي المتخصص شوتان في بداية الحماية أطلق على ابحاثه عنوان چورپوس دي لا موسيقوي ماروچايني اي مجموعة الموسيقى المغربية. لكن بعد الاستقلال تركت هذه الموسيقات المغربية اهتمام أو راع يسهر على حمايتها من التردي والزوال. وقد تنبهت وزارة الثقافة في عهدها الأخيرة إلى المعضلة فعملت مشكورة الى تسجيل عددا من الأنواع حفاظا لها من الزوال وذلك تنفيذا لأوامر ملكية مباركة.

و كذلك هناك محاولات لاحتضانها من طرف جمعيات غيورة (كجمعيات هواة الآلة و هواة الملحون و الشڭوري و غيرها)…

أما على مستوى مضمون هذه المعاهد الخاص و العمومية بشقيها اي التي تحتضنها وزارة الثقافة و الأخرى التي تحتضنها وزارة الداخلية بحيث انتشرت بشكل إيجابي محمود في جميع ربوع المملكة إلا انها اتفقت جميعها و توحدت على مستوى مقرراتها و و كذلك الشواهد التي تقدمها بمعنى تتبع نفس المقررات القديمة و الموروثة عن الفترة الاستعمارية بل حتى المونيكرامات تجدها جامدة لا ديمقراطية فيها خالية من أدنى شروط الحياة البيداغوجية التربوية الحقة مما يجعل المنتوج عبارة عن موسيقيين من عيرة المنفدين لا تميزهم إلا المهارة في الغزف أو قراءة النصوص أما على مستوى الابداع و الانتاج الفني فلن تجده إلا خارج أسوار هذه المؤسسات الجامدة و المونوطونية.

لهذا أغلب و جل الشباب و الشابات ينصرفون عنها بعد شهور قليلة بحيث لا يجدون مبتغاهم فيها لعدم وجود التنوع المطلوب على مستوى المواد من مثل الموسيقات المغربية كما سبق الذكر و حتى الموسيقات العصرية الحديثة ،و لا وجود في هذه المعاهد إلا للتصور القديم لعهد الحماية لا على مستوى الشكل ولا على مستوى المضمون.

ولا يجب ان يفهم مما سبق اني اعتبر هذه المقررات غير صالحة بل بالعكس فقك يجب تطعيمها و التفكير في موسيقات المملكة العريقة.

لهذا يجب تجديد الطرق و البيداغوجيات و إدخال مواد جديدة و وضع مقررات بيداغوجية تبين العلاقة بين الصولفيج و الموسيقات المغربية و تشرع في تهييء منتوجات علمية تغني المكتبة الموسيقة المغربية و العربية.

كما يجب إدخال مواد جديدة من مثل تاريخ الموسيقى المغربية و التعريف بأعلامها و كذلك مادة التحليل الموسيقي حيث يمكن التعريف بالنص الموسيقي تاريخا و تأليفا و إبداعا و علاقته بالظواهر المجتمعية ، إلى غير ذلك حتى لا يخلط الشاب المتعطش بين الأنساق و المكونات فتظهر موسيقانا غريبة عنا بعدما كانت تعبر عن هويتنا و ثقافتنا و تنمي فينا غريزة الإنتماء.

أما من حيث التسيير و التدبير اشكر البلديات و الجماعات و جميع مؤسسات الدولة التي تقوم بمجهودات بائنة للعيان فتعمل على بناء المعاهد و المركبات الثقافية كما تعمل على تجديدها وصيانتها باستمرار، بينما يبقى العاملين فيها و خاصة المسؤولين الإداريين تابثين في أماكنهم لعقود طويلة يحكمون و يتحكمون دون رؤية مستقبلية أو العمل على إنتاج مشاريع علمية موسيقية أو انجاز اتفاقيات شراكة أو تبادل أو غير ذلك…

و إني لا ألوم أي مسؤول إداري من خارج هذه المعاهد أو المسؤولين السياسيين الذين و إن أظهرو رغبة في إنماء و تطوير هذه المعاهد فإنهم لن يقتصروا كما سبق إلا على ما هو مادي، بمعنى تجديد البناية و تحسين مظهرها، و يعتمدون على مسييرين أكل عنهم الدهر و شرب لا يحسنون إلا جمع العازفين كيفما كان مستواهم المهم أن يكون العدد كبيرا لإبهار المتفرج و يحسنون التلويح بالأيدي وكأنه أستاذ الأساتذة بينما اتحداك أن يعزي قطعة موسيقية دون أخطاء فادحة أو دون تكسير الميزان، فهمهم الوحيد هو الحفاظ على راتبهم الشهري و الذي يعتبر الأكبر على الإطلاق بينما الأستاذة لا يصلهم إلا الفتات وذلك بعد على الأقل ثلاثة أشهر كما هم بارعون في حبك الحيل و نسج الكذب من أجل التخلص من الأساتذة المتفوقين المبدعين وطردهم تعسفيا و تصويرهم و كانهم معارضة مركبة ميؤوس منها، انه تردي الأخلاق و الحقد و الحسد و الوطنية المزيفة التي لا تعنى إلا بالمصالح الخاصة.

لن يستقيم الحال لتعليمنا الموسيقى إلا بتظافر جهود وزارة الثقافة و وزارة التربية و التعليم و أساتذة المعاهد و ذلك بعقد مؤتمر وطنيي يروم التغيير الجدري على جميع المستويات و أهمها وضع خطة وطنية جادة تعمل على تأسيس لجن علمية لتغيير المنظومة التعليمية الموسيقية مع إدخال و إصلاح التعليم الموسيقى و إدراجه في جميع المستويات التعليمية ليستفيد جميع الأطفال و الشباب المغاربة على السواء و جعل منه مادة تربوية أساسية حتى نحصل على مواطن واع بالموسيقى كلغة تواصل عالمية وكاداة للتنمية البشرية لا غنى عنها وبالتالي نحارب هذه الأمية التي تضرب اطنابها في المجتمع المغربي على جميع المستويات الفنية و الثقافي و الاجتماعية. نعمل بالسير قدما إلى نمو مجتمعنا منسجم مع الجهود التي تبدلها مملكتنا لوضع النموذج التنموي الجديد في سكته الصحيحة ذلك لأنه لا تنمية بشرية بدون تعليم فني قويم.