بحضور أزيد من 700 متتبع في ملتقى بابن أحمد: الجامعة تقود البحث في الذاكرة والتراث الثقافي

متابعة: ياسين مروسي

مئات الباحثين والطلبة والمهتمين بثقافة  الجهة  وعدد من حفدة نساء ورجال المنطقة من المجاهدين والعلماء حجوا في يوم مشهود غصّت إثره القاعة الكبرى للمركز الثقافي بابن أحمد يوم السبت 21 ماي، لحضور الملتقى السادس عشر (16) للذاكرة والتراث الثقافي بالشاوية، في دورته حول “الزوايا والصلحاء بالشاوية”، بإشراف مختبر السرديات بكلية الآداب بنمسيك، جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، وتنسيق مع جامعة الحسن الأول بسطات  والمديرية الإقليمية للثقافة بسطات والمجلس الجماعي بابن أحمد. وبشراكة مع نادي القلم المغربي وجمعية البحث في الذاكرة والتاريخ.

وقد جرت أطوار هذه الدورة من خلال جلستين، أولاهما جلسة افتتاحية نسق أشغالها شعيب حليفي مدير مختبر السرديات والذي قدّم كلمة اعتبر فيها هذا الملتقى، حلقة أخرى من حلقات أسّس لها مختبر السرديات منذ ثلاثة عقود، وأسهمت في انفتاح الجامعة على المجتمع والبحث ، برؤية جديدة، في الذاكرة والثقافة وما يؤسس لهما ، لأن التراث الثقافي ليس حُكرا على جهة أو فئة او طائفة، فالتراث الروحي والمادي هو إنتاج المغاربة  ومِلكهم ، يعْبُرون به إلى المستقبل لا أن يُحَبّسوه ويحْبسُوه، أو يرقصوا حوله هائمين. إن انفتاح الجامعة، أساتذة وباحثين وطلبة ومثقفين ومهتمين، هو من أجل تأسيس معرفة جذرية تدعم عقلنا الجماعي ووعينا الصاحي في الانفتاح على الهوامش البعيدة عن المركز. وحول موضوع هذه الدورة، قال شعيب حليفي إنها جزء من الانشغال العام  بالعناصر التي تشكل الوجدان العام وتُشْبك عناصره، لأن التصوف ثقافة البناء والتسامح ، وقد كان علماء وصلحاء الشاويةوزواياها منارة ربطت بين العلم والجهاد وخلفت رصيدا منفتحا من القيم ، يسعى الباحثون ربطها بالحاضر، لأن التاسيس لمغرب قوي، مغرب المستقبل، لا يمُرّ إلا عبر المعرفة والتنوير والمصالحة مع تاريخنا المنسي وإرثنا الضائع ومساءلته وتجديد الدماء فيه.

بعد ذلك،تضمنت هذه الجلسة، كلمة رئيس المجلس الجماعي لابن أحمد الذي عبر انخراط المجلس في كل المبادرات الثقافية التي تهتم بالموروث الثقافي غير المادي بالمنطقة. ثم كلمة  مديرة المديرية الجهوية للثقافة بجهة الدار البيضاء-سطات، السيدة حفيظة خيي التي دعت إلى  استمرار هذه المبادرات لما لها من منافع تنموية، كما اعتبرت هذه التظاهرات الثقافية مشروعا تنمويا يقوم على دعامات أساسية، منها الإدماج الثقافي و الاجتماعي وإحياء التراث المادي وغير المادي وتثمينه. وعقب ذلك، قدم أحمد فحلي نائب رئيس جامعة الحسن الأول بسطات كلمة أشاد من خلالها بالملتقى، مؤكداعلى دعم الجامعة لكل الملتقيات الثقافية في إطار انفتاحها على محيطها. مبرزا القيمة التاريخية والثقافية لمدينة ابن أحمد، مشيرا إلى المشاريع المرتبطة بالجامعة في هذه المدينة. أما جامعة الحسن الثاني فقد مثلها السيد عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك ،عبد القادر كنكاي، والذي توقف في كلمته على المشروع الثقافي الذي تبنته كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك،بانفتاحهاعلى المحيط وجعل الثقافة مكونا أساسا في التنمية، منوها بدور مختبر السرديات والخطابات الثقافية في تنزيل هذا المشروع وإنجاحه، كما جدد تأكيده على استعداد جامعة الحسن الثاني لدعم كل الأعمال والمبادرات التي تجعل المسألة الثقافية همها الأول.واختتمت كلمات الجلسة الافتتاحية بكلمة السيد عميد كلية الفنون واللغات والعلوم الإنسانية بسطات،عبد القادر سبيل، معبرا عن سعادته بالمشاركة في هذا الملتقى والتنسيق مع الجماعات المحلية خدمة للثقافة وصونا للهوية، في إطار من  الانفتاح والتفاعل الإيجابي بين الجامعة وشركائها الاجتماعيين والثقافيين .

وبعد الجلسة الافتتاحية ترأس الجلسة العلمية صالح شكاك، فتدخل في بدايتها أحمد الوارث(جامعةشعيب الدكالي بالجديدة) بورقة علمية حول” سيدي حجاج في الشاوية: ضريح شهير وسيرة بطعم عجيب”، استهلها بالحديث عن أصول سيدي حجاج، المسمى بأحمد بن سيدي  محمد بولخلف المنتمي إلى البيت الشريف، كما بين انتسابه إلى الفرع الإدريسي الحسني، واتباعه طريقة الطائفة الشرقاوية التي تقوم على محبة الله والاهتمام بالصحبة والمعاشرة، ثم أشار إلى الحضورالقوي لاسم سيدي حجاج منذ القرن 16م، رغم غياب اسمه عن كتب التراجم، معزيا ذلك إلى قبة ضريحه الشامخة في قلب قبيلة أولاد امراح التي يقصدها الزوار ويرابطون فيها، ويمارسون فيها طقوسا تتناقلها الأجيال، ويروون حكايات تستعرض كراماته، ويرددون أشعارا في مدحه وهو ما جعل موسم سيدي حجاج موعدا سنويا ذا شعبية كبيرة.

بعد ذلك، تناول الكلمة الجيلالي كريم (باحث في التصوف والثقافة) ليقدم مداخلته الموسومة ب ” الزاوية التاغية: تاريخ وتعريف”، افتتحها بتحديد مكان الزاوية بإحدى ضواحي مدينة ابن أحمد،  ثم عرف بمؤسس الزاوية التاغية  الفقيه سيدي أحمد التاغي الشريف نسبا ، لاتصاله بالإمام علي بن أبي طالب، المولود في قبيلة أولاد عبو  بقرية “زِيوْ” التي حفظ فيها  القرآن، وبعد ذلك سافر إلى فاس لإتمام دراسته بجامعة القرويين، حيث التقى بشيخه أبي حامد محمد بلعربي بلمعطي الشرقاوي المتواجد بفاس قسرا بأمر من المولى سليمان. وبعد عودته مع شيخه الشرقاوي إلى أبي الجعد. قرر سيدي أحمد التاغي تأسيس زاويته بتنسيق تام مع شيخه، بعد وفاة شيخه حظي سيدي أحمد التاغي بشهرة كبيرة باعتباره وارث سر سيدي محمد بلعربي الشرقاوي، إلى أن وافته المنية سنة 1858م، ليخلفه في تسيير شؤون الزاوية ابنه الحاج المعطي الذي شيد ضريح والده وعمل على توسيع الزاوية. وبعد رصد مسار الزاوية التاغية الذي تأرجح بين القوة والتراجع، توقف المتدخل عند علاقة الزاوية التاغية بسلاطين الدولة العلوية التي بنيت على الوقار والاحترام.

أما المداخلة الثالثة، فكانت  بعنوان ” الحركة الصوفية بالشاوية من خلال الطريقة البوعزاوية ” للأستاذ عز الدين المعتصم (باحث جامعي)، الذي تحدث عن خصائص الطريقة البوعزاوية وشيخها محمد بن الطيب البوعزاوي والأدوار التي كان يضطلع بها داخل زاويته، وموضوعات التصوف في ديوانه الشعري. إذ استهل مداخلته بتعريف شيخ الطريقة البوعزاوية محمد بن الطيب البوعزاوي الحسني أحد حفدة الشيخ الكبير مولاي بوعزة، ونشأته في وسط ديني بزاوية والده مولاي الطيب . ثم بين العوامل التي جعلت الشيخ البوعزاوي يؤسس زاوية خاصة به بامزاب، والانتقال إلى قبيلة أولاد سعيد غرب الشاوية لتأسيس زاوية جديدة بعد تخريب زاويته الأولى، وهناك بدأت طريقته في الانتشار بفعل حيوية شيخها ومواقفه من الاستعمار الفرنسي. لتكون بذلك الزاوية البوعزاوية مثالا يبرزالمساهمة الفعالة للزوايا الصوفية في تأثيت المشهد السياسي والفكري والاجتماعي، فضلا عن أدوارها الدينية والتعليمية. وعقب ذلك، انتقل الأستاذ إلى رصد تجليات التصوف في ديوان البوعزاوي، بالتركيز على موضوعة ” الحب الإلهي” بوصفها أعظم أبواب التصوف، مقدما نماذج من قصائد للبوعزاوي تؤكد براعته وفحولته في نظم مختلف موضوعات التوصف. مما يؤكد تكريسه الشعر لخدمة الجانب الديني والروحي الصوفي.

وقد ركزت رتيبة ركملة (جامعة ابن زهر بأكادير) في مداخلتها الموسومة ب”هندسة قبب وأضرحة أولياء الشاوية ” على الجانب المعماري  في الأضرحة لكونها تعبر عن الثقافة الجنائزية في المجتمعات ومكانة صاحب الضريح، راصدة بعض الأسباب الاجتماعية والسياسية المتدخلة في فكرة بناء الأضرحة. لتنتقل إلى جرد الأضرحة المتواجدة بمنطقة الشاوية، وخصائصها المعمارية على مستوى أنواع القبب وتاريخها، ومستوى مواد بنائها وتقنيات بنائها أيضا. حيث خلصت في الختام إلى أن أضرحة الشاوية جميعها بنيت بمواد محلية، وطليت بالأبيض للدلالة على الزهد…

أما أحمد العيوني ( باحث في التاريخ الجهوي) فقد شارك بمداخلة معنونة ب “دور الأولياء والزوايا في تاريخ منطقة امزاب”، حيث ألقى في بدايتها نظرة على أهمية المنطقة في تاريخ المغرب، بوصفها مركزا لتامسنا الكبرى، ودورها في خلق تنوع ثقافي بالنظر لاستقبالها وفودا من قبائل مختلفة. ثم عرض أسباب الانتشار السريع للتصوف بمنطقة امزاب، والأدوار التي أنيطت بالزوايا، فأضرحة الأولياء شكلت فضاء للابتهال والاستشفاء…، وقد قدم الأستاذ أمثلة لهذه الأضرحة  مثل ضريح سيدي محمد بلغفيري، وضريح سيدي محمد البهلول… مستعرضا – إلى جانب ذلك – الدور التعليمي لعدد من الزوايا في المنطقة بسبب غياب المدارس العصرية مثل زاوية الحاج التاغي، وزاوية مولاي الطاهر الشرقاوي. وقد دعا المتدخل في الختام إلى الاهتمام ببنايات الزوايا القديمة والأضرحة وترميمها باعتبارها موروثا ثقافيا هاما.

في اختتام هذه الجلسة تحدث علي فقير( مهتم بتاريخ المنطقة)، تحدث من خلالها عن بعض المعطيات التاريخية بمنطقة امزاب، وأوليائها المشار إليهم في التراث الفني الموسيقي الشعبي من خلال أغنية “العلوة “التي تتغنى بشرفاء امزاب وتروي قصصهم، مقدما خالص شكره لكل المساهمين في هذا الملتقى، وبعد ذلك قدم نماذج من الأذكار المحلية ألقتها مجموعة تابعة لواحدة من الطرق الموجودة هناك.

وفي نهاية الملتقى، ترأس علي فقير باسم جمعية المقاومة وأسر جيش التحرير حفل تكريم المقاومين : التاغي التاغي، محمد فوزي، محمد زغلول ومصطفى قانيت، كما ترأس شعيب حليفي وهو يعلن عن اختتام هذا الملتقى حفل تكريم حفدة المجاهدين الكبار بالشاوية ومجموع المغرب:القرشي بن الرغاي والأحمر بن منصور، ومحمد ولد بوعبيد.
صدرت  الأشكال الكاملة لهذا الملتقى في كتاب ضم (20) مقالة من 360 صفحة.