*بقلم ذ. يوسف اكمير
سنتناول في هذه الورقة محورين أساسيين وهما:
1. نبذة عن المسار الإعلامي لصحفية ABC، وهو المحور الذي سنتناول فيه السياق التاريخي للصحيفة و توجهاتها الايديلوجية
2. سنكشف من خلال مختلف مقالات الصحيفة كيف تمت تغطية أهم محطة من تاريخ استرجاع أقاليمنا الصحراوية والمتمثلة في حدث المسيرة الخضراء. ما هي إذن خصوصيات هذه الصحيفة وما هي مميزات الخطاب التي تبنته تجاه حدث المسيرة الخضراء؟
1. نبذة عن المسار الإعلامي لصحفية ABC
تأسست ABC في الأول من يناير من سنة 1903 من طرف الإعلاميين “مركواتو لوكا دي طينا” و “ألفريث أسوريو” (TORCUATO LUCA DE TENA) و(ALVAREZ OSSORIO)، وهي صحيفة يمينية محافظة هدفها الأساس كان ولازال هو الدفاع عن الملَكية من خلال خطاب سياسيي بسيط وعامي موجه لقراء من مختلف الشرائح الاجتماعية[1]1.
انطلقت ABC في مسيرتها الإعلامية على شكل صحيفة أسبوعية، وفي يونيو 1905، تحولت إلي جريدة يومية. وقصد سد الفراغ الإعلامي بجنوب إسبانيا عملت إدارة ABC على تأسيس فرع أندلوثيا الذي سيسهر على إيداع ونشر ABC أندلوثيا وذلك سنة 1929 بمدينة اشبيلية .2
عند اندلاع الحرب الأهلية الإسبانية ستنشق ABC أندلوثيا عن إدارة مدريد، وستتبنى كلتا الصحيفتين خطابين سياسيين وايديلوجيين مغايرين، بحيث دعمت نشرة مدريد الجمهوريين بينما نجد نشرة اشبيلية تدعم الفرنكاويين.
بعد انتهاء الحرب الأهلية واستيلاء فرانكو على الحكم، تحولت ABC إلى صحيفة رسمية دافعت عن النظام الفرنكاوي، لكنها تميزت خلال هذه المرحلة بالجمود و فقر المادة الإعلامية .3 وفي أواخر الستينات من القرن الماضي ستعرف ABC طفرة موضوعاتية نوعية، كحصيلة للانفراج السياسي الذي أضحت تعيشه اسبانيا، خصوصا عندما دخل تطبيق قانون الصحافة ورفع الرقابة من طرف وزير الإعلام الجديد “منويل فراكا” (MANUEL FRAGA) حيز التنفيد، 4وهو ما نتج عنه تحسن ملحوظ على مستوى المحتوى انعكس حتما على ارتفاع نسبة المبيعات. وهكذا أصبحت ABC تتناول مواضيع مختلفة ذات صبغة سياسية واجتماعية تخص إسبانيا ومختلف أنحاء المعمور، وهنا بعض عناوين المواضيع التي تناولتها عبر استفادتها من المناخ السياسي و الاجتماعي الجديد التي أصبحت تعيشه اسبانيا
أ. معارضة النظام الفرنكاوي في الخارج5.
ب. انعكاس أصداء المسألة الباسكية في فرنسا .6
ت. الوضعية العامة بالعالم العربي 7 .
ث. تحركات الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني بفرنسا8.
خلال هذه المرحلة ارتفعت مبيعات ABC بشكل ملحوظ حيث احتلت بين 1966 و 1971 المرتبة الثانية على الصعيد الوطني بعد صحيفة LAVANGUARDIA، حتى أنه قيل كل ما لم ينشر في ABC ليس بخبر9. خلال سنة 2005 وتحت إشراف مدير ذو توجه سياسي محافظ ومثير للجدل، استطاعت الصحيفة أن تحتل المرتبة الثانية من حيث المبيعات على الصعيد الوطني، وهو ما يعكس وجود رأي عام محافظ وملكي باسبانيا.
2. ABC و تغطيتها لتاريخ مغرب بداية القرن العشرين
غطت صحيفة ABC أحداث حرب الريف لسنة 1909 أو ما سمي بمعارك “خندق الذئب” بضواحي مليلية، حيث كان لديها مراسلون إخباريون من قلب المعركة، و قد كانت لها الريادة في التقاط الصور الجوية، بحيث اعتبرت بمثابة أول صحيفة عالمية التقطت من طائرة صورا فوتوغرافية للمعارك الحربية. 10
في سنة 1911، ومن قلب مدينة فاس، غطى مراسلها ثورة المدينة و الضغوطات التي مارستها فرنسا على السلطان. وفي سنة 1925 غطت ABC أحداث التحالف الفرنسي الإسباني ضد زعيم المقاومة الريفية محمد بن عبد الكريم، حيث كان مراسلها يخبر من شاطئ الحسيمة بعمليات الزحف العسكري الاسباني الفرنسي وردود فعل المقاومة الريفية11. هذه إذن هي نبذة موجزة عن مسار ABC الإعلامي، فماذا عن تغطيتها للمسيرة الخضراء واسترجاع أقاليمنا الصحراوية؟
3. المسيرة الخضراء من خلال ABC
مكنتنا المادة الإعلامية والتاريخية التي تحتوي عليها الصحيفة من تناول حدث المسيرة الخضراء وذلك عبر ثلاث محاور رئيسية:
أ. مطالبة المغرب باسترجاع أقاليمه الصحراوية، صدور حكم محكمة لاهاي الدولية والإعلان عن مسيرة سلمية للصحراء.
ب. المفاوضات الإسبانية المغربية الموريتانية.
ت. الانسحاب الإسباني واسترجاع الأقاليم الصحراوية.
نشرت جل المقالات التي اطلعنا عليها ما بين ماي 1975 و فبراير 1976، وهي الفترة التي ستعرف فيها قضية الصحراء المغربية تطورات سياسية ساهمت في وضع حد للحضور الإسباني بالأراضي المسترجعة. ورغم الصبغة المحافظة للصحيفة نجد أنها تنتقي خطابا معتدلا وأقل شوفينية إذا ما قارنها مع صحف اسبانية أخرى كصحيفتيYA وARRIBA ESPAÑA . ففي عمود نشرته ABC بعدد 13 ماي 1975، نجد صاحبه يقترح انسحاب إسبانيا من الصحراء،12 ويذكر الرأي العام الإسباني بالكوارث التي نتجت عن المغامرات التوسعية الإسبانية بإفريقيا و ما نجم عن ذلك من حروب ك”خندق الذئب” و”أنوال”، وأن إسبانيا بإمكانها توفير الاشمئزاز الذي من شأنه أن يصيبها كنتاج لمواجهة اسبانية مغربية قد تثيرها استمراريتها بالصحراء. فحسب صاحب المقال “جائت تصريحات الحكومة حول الصحراء في الوقت المناسب لتثير مسألة الانسحاب من الصحراء في أقرب أجل ممكن”. في السياق نفسه يذكّر صاحب المقال بالهزائم التي تكبدها الجيش الاسباني بالمغرب في العقود الأولى من القرن العشرين وذلك من خلال آراء الفيلسوف “أنخل كنيفت” (Ángel Ganivet) الذي قال:
“إفريقيا سممت جزء هاما من معنويات الوطن وأنزفت جسمه واستنزفت موارده و أذبلت أمانيه وإيمانه في المستقبل وعممت الظلم والعبث التاريخي”. وينتهي المقال بالنص التالي:”لنخرج من الصحراء في أسرع وقت ممكن ولنتذكر تلك الحقيقة المشهورة التي تقول كل طلقة نار أطلقت في إفريقيا إلا و سمع صداها في اسبانيا”13.
أ. مطالبة المغرب باسترجاع أقاليمه الصحراوية:
– صدور حكم محكمة لاهاي الدولية والإعلان عن مسيرة سلمية للصحراء
في عدد 17 أكتوبر 1975 خصصت ABC صفحة بكاملها لخطاب المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني حول ضرورة تحرير الأقاليم الصحراوية، و في نفس العدد نشرت مقالا إخباريا تشير فيه إلى أن وزير الخارجية السيد أحمد العراقي أعلن أنه في الأيام المقبلة ستتجه نحو الصحراء مسيرة مدنية تتكون من 350 ألف مواطن و مواطنة لتحرير هذه الأراضي وذلك على ضوء الحكم الصادر عن محكمة لاهاي الدولية. في نفس المقال أشارت ABC أن السيد أحمد العراقي أكد في التصريحات التي ألقاها في ندوة صحفية بمقر هيئة الأمم المتحدة أن الأمر يتعلق بمسيرة مدنية و أنه إذا ما اعترضت إسبانيا على ذلك فعليها أن تستعد لمواجهة العواقب14. ABC أشارت أيضا إلى تصريحات سفير المغرب في الأمم المتحدة، السيد علي الصقلي، التي أكد فيها على أهمية هذا الحدث التاريخي وعن اعتراف محكمة لاهاي الدولية بالوزن القانوني والحضور التاريخي لسيادة المغرب على أراضيه الصحراوية، كما أكد السفير أيضا على أن مطالب المغرب تم الاعتراف بها من طرف الهيئة الاستشارية للأمم المتحدة، وبالتالي هو اعتراف واضح يستثني أي لبس أو سوء فهم15.
ب. المفاوضات الاسبانية المغربية الموريتانية
ستخصص ABC مجموعة من المقالات للمفاوضات المغربية الاسبانية التي ستتوج باتفاقية مدريد. وفي هذا الإطار ستنشر أخبار متعددة حول الوضعية التي توجد فيها العلاقات بين مدريد والرباط، سيكون للصحيفة دور فعال في خلق استعداد قبلي داخل أوساط الرأي العام لإقناعه باحتمال انسحاب إسبانيا من الصحراء. فنجدها تخبر في عدد 22 أكتوبر 1975 عن مبادرة اختيار الحكومة الإسبانية للحلول السلمية فيما يخص مسألة الصحراء وذلك عبر القنوات الدبلوماسية16. فهي تخبرنا بالزيارة التي قام بها ألأمين العام للحكومة السيد “خوسي سوليس” (JOSE SOLIS) إلى المغرب وكيف تم استقباله من طرف الملك الحسن الثاني. المقال نفسه يحيل عن الوقع الايجابي التي خلفت زيارة “سوليس” إلى المغرب سواء في الرباط أو في مدريد، واعتبرها بمثابة الحجرة الأساس لمرحلة جديدة من تاريخ العلاقات المغربية الاسبانية يميزها التفاهم و التعاون17.
في عدد 26 أكتوبر نشرت ABC مقالا أخبرت فيه بالزيارة التي قام بها وزير الخارجية المغربي أحمد العراقي إلى مدريد والمحادثات التي أجراها مع “أرياس نافارو” (ARIAS NAVARRO) والتي توقفت حسب الصحيفة نظرا لتدهور الحالة الصحية لفرانكو18.
حول نفس الموضوع نشرت ABC في عدد 12 نوفمبر1975، مقالا تفيد فيه “أنه على الساعة الخامسة والنصف من مساء أمس وصل إلى مطار “باراخاس” (BARAJAS) بمدريد وفد مغربي رفيع المستوى يتشكل من الوزير الأول السيد أحمد عصمان ووزير الخارجية السيد أحمد العراقي ووزير الشغل والشؤون الاجتماعية السيد الخطابي وكاتب الدولة في شؤون الصحراء السيد زنيند والسيد كريم العمراني19. وقد تم استقبالهم من طرف رئيس الحكومة السيد “أرياس نافارو” ووزير الخارجية السيد “بيدرو كورتينا ماوري”(PEDRO CORTINA MAURI) و سفيري المغرب و إسبانيا السيد الفلالي و السيد “مارتين كاميرو” (MARTÍN GAMERO)، وقد انطلقت جلسة المحادثات اليوم في مقر رئاسة الحكومة”20.
في السياق نفسه نشرت ABC في عددها ليوم 14 نوفمبر 1975 مقالا آخر أكدت فيه حسب مصادر موثوقة “أن المفاوضات بين المغرب و إسبانيا و موريتانيا والتي يرأسها السيد أحمد عصمان و السيد موكناس و السيد “أرياس نافارو”، ستخلص اليوم، وهي المفاوضات التي ستتوج بتوقيع اتفاقية مدريد”21.
في نفس العدد نشرت ABC مقالا تخبر فيه بالارتياح التي استقبلت به الحكومة الاسبانية خطاب جلالة الملك الحسن الثاني حين أمر بعودة المسيرة وعن تأكيده عن الصداقة و حسن الجوار التي تجمع المغرب وإسبانيا. المقال نفسه يشير أن جلالة الملك أستقبل في الأيام الأخيرة وزير رئاسة الحكومة السيد “كارو” (CARRO) بأكادير ووزير الخارجية السيد “سوليس” (SOLIS) بمراكش، كما توجه إلى مدريد وفد رفيع المستوى لإجراء محدثات مع السلطات الاسبانية بما في ذلك الأمير خوان كارلوس22.
أ. الانسحاب الإسباني و استرجاع الأقاليم الصحراوية
موازاة مع حدث المسيرة الخضراء والمفاوضات الدبلوماسية، كانت هناك أحداث أخرى ترتبت عن خصوصيات السياق التاريخي الذي نحن بصدد دراسته والتي حاولت ABC تغطيتها من مختلف الجوانب. إخلاء ساكنة الصحراء وانسحاب السلطات الإسبانية هي إحدى المواضيع التي تناولتها الصحيفة وأخبرت بمختلف مراحلها. ففي عددها ليوم 23 أكتوبر 1975، أفادت أن نسبة الطلب على تذاكر الخط الجوي الرابط بين الأقاليم الصحراوية وشبه الجزيرة الإبيرية وجزر الكناري ارتفع بشكل ملحوظ، وأنه سيتم تنظيم رحلات إضافية23. هذا الارتفاع في طلب التذاكر هو ناتج عن عملية الإخلاء وعودة المعمر الإسباني إلى وطنه. في المقال نفسه نجد ABC تخبر بأن هناك طائرات عسكرية تحلق فوق سماء مدينة العيون قصد نقل بضائع وأمتعة المعمر الاسباني. مصادر مطلعة أفادت حسب الصحيفة أن طائرات مخصصة لحمل البضائع تصل طاقة حمولتها 15000 كلغ حلقت من العيون نحو إسبانيا وهي محملة عن أخرها24.
في نفس السياق يندرج المقال الذي نشرته الصحيفة بعدد 6 نوفمبر 1975 والذي أفادت فيه بإبحار سفينة (PLUSULTRA) وعلى متنها 117 مسافر إسباني ومعدات وبضائع وسيارات، وأن الإخلاء المكثف الذي تعيشه الساكنة الإسبانية للصحراء أسفر عن انخفاض كبير في عددها حيث أصبح لا يفوق 1100 نسمة. وقد قامت السلطات بفتح مكاتب مخصصة لمنح المعمرين مبالغ مالية لاقتناء التذاكر وتسهيل عملية الإخلاء، وذلك عبر مدهم بتوصيل ذي قيمة نقدية حددت في مبلغ 25000 بسيطة25.
غطت ABC خبر آخرا يتعلق بانسحاب الجيش الإسباني من الصحراء والظروف التي تم فيها، مشيرة أن هذه العملية اللوجستيكية تتم في سرية تامة دون تحديد التواريخ و النسب، وأن الإخلاء العسكري، حسب تصريحات الجنرال “كوميث ذي سلاثر” (GÓMEZ DE SALAZAR) هو في منتصفه، وأن ميناء “فيا ثيسنيروس” (Villa Cisneros)، الداخلة هو الذي تتم عبره نقل المعدات والأدوات العسكرية ذات الوزن الثقيل26.
المقال الأخير الذي سنحيل عليه في هذه النص نشرته ABC في عدد 29 فبراير 1976، وتفيد فيه أنه “تم الإعلان بشكل رسمي عن طي آخرعلم إسباني بالصحراء في صباح هذا اليوم وذلك بعد إخبار مجلس الجماعة بالصحراء والأمانة العامة لهيئة الأمم المتحدة بالانسحاب النهائي -للسلطات الإسبانية- من الصحراء”27.
هذه إذن بعض القضايا التي حاولنا الكشف عنها من خلال المقالات التي نشرتها ABC سنة 1975 والتي مكنتنا من أخذ فكرة عامة عن الدور الإعلامي التي قامت به الصحافة المكتوبة في اسبانيا الخطاب المي تبنته فيما يخص المغرب و استرجاع أقاليمه الصحراوية.
*أستاذ التعليم العالي بجامعة ابن زهر، اكادير
[1] Olmos, V., Historia de ABC. 100 años clave en la Historia de España, Plaza y Janés, Barcelona, 2002, p. 719.
2 Torreqo D., Javier, F., “Los periódicos españoles en el tardo franquista, Consecuencia de la nueva ley de prensa”, Revista de comunicación y Hombre, Núm.1, Año 2005, pp. 131-147.