إسبانيا أمام تحديات مغرب جديد (بقلم ذ. نبيل دريوش)

الخطوات الجريئة التي أقدم عليها المغرب فيما يخص سياسته الخارجية خلال العقد الأخير، وتحويله مجال الدبلوماسية من مجال للمجاملات ورد الفعل إلى معترك للفعل والتقدم بشجاعة وجرأة غير الكثير من المواقع على الخريطة الاقليمية، فلم يتوقع إلا القلة أن  يخلط أوراق خصومه بقراره العودة إلى حظيرة الاتحاد الإفريقي بعدما تغلغل بذكاء داخل القارة السمراء، ثم إقناعه للإدارة الأمريكية بالاعتراف بمغربية الصحراء وإعادة ربط العلاقات الدبلوماسية  مع إسرائيل، كلها خطوات صنعت واقعا جديدا وضخت القوة في عروق المغرب الذي بات الرهان عليه استراتيجيا من طرف القوى العالمية في ظل صراع بين الأقطاب يحمل بعض ملامح الحرب الباردة.

في هذا التوقيت كانت اسبانيا تعيش مخاضا سياسيا صعبا نتيجة الضربة القوية التي تلقتها اثر الأزمة الاقتصادية لعام 2008، وما تبعها من ولادة لأحزاب يسارية ويمينية متشددة وإعادة هيكلة داخل الأحزاب التقليدية، هذه التحولات أدخلت اسبانيا في متاهة اعادة الانتخابات عدة مرات وسحب الثقة من حكومة راخوي وتشكيل حكومة من حزب اشتراكي تغيرت الكثير من الاشياء بداخله، كما انها كانت مرحلة  والتحالفات الهشة لتشكيل الحكومات، والأهم أنها حملت إلى سلطة نخبة جديدة تعوزها الخبرة في تدبير الشأن العام، فبالأحرى تدبير السياسة الخارجية لاسبانيا.

هذه التراجعات العميقة التي عاشت على ايقاعها اسبانيا طيلة السنوات الماضية جعلت نخبتها الجديدة لا تقتنص الفرص المطروحة أمامها وتنظر إلى ما يجري حولها من زاوية ايديولوجية ضيقة تعصف بكل المنجزات التي حققتها حكومات زمن الاستقرار السياسي لاسيما في عهدي خوسي لويس رودريغيث ثباتيرو و ماريانو الراخوي، هذه السياسة الضيقة هي التي جعلت النخبة الحاكمة ترفض ما حولها عوض تحليله وقراءته القراءة الصحيحة، فهي لم تتقبل البتة اعتراف واشنطن بمغربية الصحراء ، ورأت في الأمر تهديدا لها بشكل أسقط قناع النفاق عن وجه مدريد وكشف عن موقفها الحقيقي الذي لم يكن يخفى على المتتبع النبيه، وكان خطأ مدريد المفصلي عندما ظنت أن ارتماءها في أحضان الجزائر ومحاباتها مقابل عقود الغاز سيضمن محاصرة المغرب وتكبيح جماحه، ومن مرفقات تلك الصفقة كان استقبال زعيم البوليساريو فوق اراضيها بهوية مزورة للعلاج دون اخطار الرباط وفي دعم مباشر لأعداء المغرب، وظنت أنها ستفلت بفعلتها قبل أن تنفجر بين يديها واحدة من أكثر القنابل حشوا بمادة”التي ان تي”، وبدت أنها تغطس وسط حقل من الرمال المتحركة.

بعدما ألحقت الكثير من الأذى بمصالح المغرب تحاول مدريد ممارسة دبلوماسية” قسم الهواة”، فقد فتشت داخل جيب معطفها عن الحلوى لتقدمها لجارها لتنسيه بكلماتها المعسولة ألم طعناتها المنغرسة في ظهره، كانت الرسالة مباشرة وواضحة لا يكتنفها الغموض، وضعتها الرباط في صندوق بريد مدريد، وهو ما فهمه سكان قصر المونكلوا الذين جاء تعليقهم على لسان وزير الخارجية مانويل ألباريس الذي قال :” هذه الأزمة ستطول”، يبدو أنها ستطول بطول تعنت مدريد في حماية الوحدة الترابية لشريكها الاستراتيجي.