
كتبه: سعيد بوعيطة (باحث مغربي)

اتجهت أنظار المغاربة مساء أمس الجمعة العاشر من أكتوبر 2025، إلى خطاب صاحب الجلالة بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الخامسة، خاصة في ظل الاحتجاجات التي شهدتها أغلب المدن المغربية، قادها شباب “جيل زد 212” حيث جاء الخطاب الملكي متساوقا مع تطلعات هؤلاء الشباب. وذلك من خلال تركيزه على تنمية ترابية شاملة، مع إعادة النظر في تنمية المناطق الجبلية والواحية التي تغطي 30% من تراب البلاد، وتمكينها من سياسة عمومية مندمجة. معتبرا أن “العدالة الاجتماعية ومحاربة الفوارق المجالية ليست مجرد شعار فارغ أو أولوية مرحلية قد تتراجع حسب الظروف”، بقدر ما تشكل توجها إستراتيجيا ورهان مصري على جميع الفاعلين الالتزام به.
وأضاف صاحب الجلالة أنه “لا ينبغي أن يكون هناك تناقض أو تنافس بين المشاريع الوطنية الكبرى والبرامج الاجتماعية ما دام الهدف هو تنمية البلاد وتحسين ظروف عيش المواطنين أينما كانوا”، ليؤكد من خلال قوله على أن “التحول الكبير الذي نسعى إلى تحقيقه على مستوى التنمية الترابية، يقتضي تغييرا ملموسا في العقليات وطرق العمل، وترسيخا حقيقيا لثقافة النتائج، بناء على معطيات ميدانية دقيقة، واستثمارا أمثل للتكنولوجيا الرقمية.
بهذا التصور، رسم صاحب الجلالة خارطة طريق واضحة المعالم من أجل تصحيح وظيفة البرلمان (المسؤولين عامة). بنيت هذه الخارطة على العديد من القضايا، نذكر أبرزها كالتلي:
1. الوعي بوظيفة الأحزاب السياسية
ذكّر الخطاب الملكي الأحزاب السياسية بوظيفتها الأساسية، المتجلية في تأطير والمواطن، والدفاع عن الوطن ومصالحه العليا. من خلال تحقيق التنمية المحلية الملموسة على أرض الواقع لما لها من أثر مباشر على حياة المواطنين. تأطير المواطن ليتشكل لديه وعي سياسي سليم.
2. تغيير عقلية المسؤولين
أكد صاحب الجلالة في هذا الجانب على أن التحول التنموي الحقيقي لا يمكن أن يتحقق دون تغيير جذري في عقليات المسؤولين وأساليب عملهم. لهذا، دعا إلى ترسيخ ثقافة النتائج بدل ثقافة الخطط الورقية. وشدّد على أهمية الاعتماد على المعطيات الميدانية والتكنولوجيا الرقمية في التخطيط والتنفيذ. وأن مختلف السياسات التنموية لا يجب أن تبقى حبيسة الأوراق، بل تصبح ملموسة من قبل المواطن على أرض الواقع.
3. الوعي بالأولويات
أبرز صاجب الجلالة القضايا ذات الأولوية المتمثلة في تشجيع المبادرات المحلية، وتوفير فرص الشغل للشباب، والنهوض بالقطاعات الحساسة (التعليم والصحة)، لما لهذه المجالات من تأثير مباشر على تحسين مستوى العيش.
وهذا ما يؤكد تفاعل الخطاب الملكي مع بعض مطالب الشباب. خاصة تلك المتعلقة بتحسين خدمات قطاعي الصحة والتعليم وفرص الشغل. مما يظهر تقاطعا واضحا بين توجهات الخطاب الملكي، والمطالب الاجتماعية التي رفعها الشارع المغربي. خصوصا فيما يتعلق بالنهوض بقطاعات التعليم والصحة والتأهيل المحلي، وعدم التناقض بين المشاريع الكبرى والبرامج الاجتماعية ما دام الهدف المشترك هو تحقيق التنمية الشاملة.
4. محاربة الهدر الزمني وضعف المردودية
كما وجه صاحب الجلالة دعوة صريحة إلى محاربة كل الممارسات التي تضيع الوقت والجهد وكذا الإمكانات. حيث شدد على أنه “من غير المقبول التهاون في نجاعة ومردودية الاستثمار العمومي”، وهو توجيه يعكس رغبة قوية في المحاسبة و ترشيد المال العام. قصد ضمان تنزيل المشاريع على أرض الواقع.
5. العدالة الاجتماعية والمجالية
اختتم صاحب الجلالة خطابه، بالتأكيد على أن العدالة الاجتماعية والمجالية، ليست شعاراً ظرفياً (مؤقت)، بل توجهاً وخيارا استراتيجياً. يعبّر عن روح “المغرب الصاعد والمتضامن”. مما يستوجب تعبئة شاملة لكل الطاقات من أجل تحقيق تنمية متوازنة ومستدامة وسليمة.
من خلال هذا القضايا المحورية التي حملها الخطاب الملكي، جدد صاحب الجلالة دعوته إلى انتقال نوعي في النموذج التنموي المغربي، قوامه العدالة، والسرعة في الإنجاز، والنتائج الملموسة على أرض الواقع، حتى يشعر كل مواطن بثمار التنمية. لتصبح التنمية في نهاية المطاف (حسب خطاب صاحب الجلالة)، تنمية شاملة، ومنظومة متكاملة من الفعاليات. تهدف إلى النهوض الحضاري للمغرب في مختلف جوانب الحياة، وتوفر حياة كريمة لجميع أفراد المجتمع في مجال الصحة والتعليم والدخل. مما يؤكد الدور القوي للتنمية المستدامة بوصفها تنمية تخدم الفرد والمجتمع على حدّ سواء.
فهل استوعب المسؤولون رسالة صاحب الجلالة؟ سؤال سيجد جوابه فيما تبقى من الزمن من عمر هذه الحكومة.
