أخبارفي الصميمكتاب الرأي

تأهيل المدن وسؤال تغيير الذهنيات

بقلم: د. محمد طواع

بقلم: د. محمد طواع

هل تغيير البنيات التحتية في بعض المدن بالمغرب، سيحدث تغييرا، بالضرورة، على مستوى البنيات الذهنية لقاطني هذه المدن؟

تحولات كثيرة، نتابعها على مستوى البنيات التحتية، تشهدها عدة مدن، وعلى مستوى عدة مجالات ترابية بالجهات والعمالات. وما يترجم ذلك، إعادة هيكلة الطرق و الشوارع الكبرى، بناء جسور جديدة، هدم أحياء بكاملها من وسط بعض المدن، أو تلك التي نتكلم عنها بلغة العشوائي، تنبت كالفطر على هوامش المدن، بناء منشآت رياضية من الطراز الرفيع، خلق أحياء جديدة خارج المدن، وترحيل بعض من الساكنة إليها، وهو ما سيحدث تغييرا مهما على مستوى البنية السكانية، ما سيؤثر كذلك على بنية الخريطة المدرسية والبنيات الصحية للمدن…

نحن نعرف أن شعار “الحكامة وسياسة المدينة”، قد تم الحديث عنه عندنا، منذ عقدين. غير أن ما نتابعه اليوم، من نهوض من أجل إعادة الهيكلة والإصلاح، على مستوى سياسة تدبير المجال الترابي، بلغة “الهدم والترحيل وإعادة الإيواء”، ليجعل المتتبع يتساءل: كيف نحاول أن نفهم، ما يعانيه المغرب، على مستوى “إشكال الريادة والحكامة”، في سياسية تدبير المجال الترابي للمدن والجهات؟ هل هو مجرد خلل في العبقرية والذكاء، أم أن الواقع يسائل، وأساسا، بنية القيم، التي تحرك تلك العبقرية والذكاء و“العقل التدبيري المغربي”؟ كيف نفهم ما يحوزه الوضع الاعتباري، “لسلطة القانون” في ذهنية المغربي؟ كيف نفسر التعسف الذي يطال “الملك العمومي” في المجالات الترابية للمدن والقرى؟ كيف يمكن أن نفهم استفحال “مظاهر الترييف” المتنوعة، التي امست من “المظهر العام” للمدن؟ هل كل ذلك نفسره، بالتقصير أو العجز، أو بسؤال الجدية ومنسوب المسؤولية في السلوك؟ هل المسألة مسألة “قوانين تنظيمية”؟ إذا كان الأمر كذلك، وهو بنسبة كبيرة من المصداقية، فإننا نكون في صلب سؤال القيم والتربية أساسا.

مؤشرات لا تحصى كثرة، تشير إلى كل ذلك:

– مظاهر”العشوائي” في مجالات متعددة، في السكن، بحيث نلاحظ أن “البراكة” تحارب على الأرض، غير أن المغربي لما يبني سكنه وفق تصميم مرخص، يضع ما يشبه” البراكة” على سطح منزله؟ أو يضيف طابقا بكامله، وبشكل مشوه ظاهر للعيان، خارج القانون؟ أو ما معنى أن عين المغربي تجده يضع حواجز على الرصيف، لمنع توقف السيارات، في خرق سافر للملك العام؟ ما معنى أن يسمح المغربي لنفسه أن يسطو على “الملك العام”، بحيث نجده يجتهد ل“تزريب” قطعة منه، ويحولها إلى “شبه ملك خاص” يستغله لحسابه، هذا من دون أن يستحضر أدنى قيمة للقانون؟ إنه ما يمكن تسميته “إشكالية محنة المكان وسؤال الجمال” مع العقل المغربي.

-كيف يسمح مغربي لنفسه، أن يهيئ عربة يجرها حيوان، بنية سياقتها في وسط المدينة وشوارعها، لنقل البضائع والبشر؟ من دون أي تفكير في ما سيخلقه من إزعاج وعرقلة لحركة السير، أو تشويه لصورة المدينة؟ ما معنى عربة تجوب الشوارع التي يتواجد فيها “الترام واي”؟ ناهيك عن ظاهرة “الفراشة” وفوضى “التجارة الغير مهيكلة” أو مظاهر القطاع الغير المنظم. قطاع بكامله يسائل الدولة، من أجل فك طلاسمه، وإنقاد “المكان” من سطوته.

في المحصة نقول: أولا: هذه صورة تقريبية تختزل معضلة المغرب مع “ذهنية تشتغل بقيم خاصة بها في علاقتها بمفهوم المكان أو الفضاء العام”، قيم يحضر فيها كل شيئ، إلا “سلطة القانون”. بحيث نجد هذه الذهنية متشبعة بنوع خاص من العلاقات لتدبير أمورها، وهي العلاقات الزبونية والقبلية والقرابة والدم أساسا. وهو ما يفسر شيئين: ارتفاع منسوب الكلام عن “استفحال الفساد” في مختلف وسائل الإعلام، وفي كلام القيمين على ريادة تدبير الشأن العام، بحيث يتم التصريح بذلك في قبة البرلمان حتى، بحيث يعترفون أن الظاهرة مستفحلة في مختلف المرافق والمجالات الإدارية والاجتماعيىة، وهو الواقع الذي ما تصطدم به الدولة اليوم، وهي تريد تطبيق روح القوانين على الأرض.

ثانيا: المشكل الحقيقي هو ضرورة العمل على مقاومة “ذهنية سائدة، بدون قيم وثقافة القانون”، والعمل على استنبات ثقافة التحضر والتمدن، لذهنية متشبعة بروح القوانين وبقيم العيش المشترك والتقة والجدية، في خدمة البلد، لتأهيله في الحضور الدولي بكل، إبداعية وندية.

في الختم أقول: ما نتابعه من تحولات على مستوى البنية التحتية، يلزم مواكبته بإطلاق “نقاش عمومي”، لتتوضح الرؤية والغايات، ولشحذ “السيكولوجيا العامة”، من أجل الإسناد والدفع بالواقع نحو التغيير، على مستوى “نمط العيش والحياة”، الذي نريد أن نسير إليه، بكل الحقوق وكرامة. ذلك أن من مفهوم “البوليس” بمعنى “المدينة”، حيث تصريف السياسة والسياسي، لا تستقيم أمره إلا بمواكبته بالنقاش والترافع، من أجل كل ما هو عزيز وجميل للإقامة الضامنة لشروط المواطنة بالفعل. وإلا ما معنى أن تكون مواطنا، وأنت تعوزك كفاية النقاش والترافع عن الشأن العام؟ وما معنى أن تكون الدولة، دولة الحق والقانون، وهي لا توفر شروط توسيع فضاء النقاش العمومي بما فيه الكفاية؟

زر الذهاب إلى الأعلى
Soyez le premier à lire nos articles en activant les notifications ! Activer Non Merci