
بقلم: زكية لعروسي

في زمن لم يعد فيه الحياد فضيلة، ولا الغموض موقفا، اختارت جمهورية غانا أن تعلنها صريحة، واضحة، ومتسقة: المبادرة المغربية للحكم الذاتي هي الحل الوحيد الواقعي والدائم لقضية الصحراء.
بهذا الموقف القوي والمجدد، وفي أول زيارة له إلى المغرب منذ تعيينه، سطّر وزير خارجية غانا، السيد صامويل أوكودزيتو أبلواكا، صفحة جديدة في سجل العلاقات المغربية الغانية، صفحة كتبت بالحبر الدبلوماسي الهادئ، ولكن بصوت سياسي جهير يحمل كل دلالات الاعتراف والدعم والتقدير.
ما يلفت الانتباه في هذه الزيارة، ليس فقط طابعها الرسمي أو تصريحاتها البروتوكولية، بل الثبات اللافت في موقف غانا من قضية الصحراء المغربية، الذي أعاد الوزير أبلواكا التأكيد عليه من العاصمة الرباط.
فمنذ أن علّق سلفه، في 7 يناير 2025، علاقات بلاده مع الكيان الانفصالي المزعوم، لم تتراجع أكرا عن موقفها، بل عززته.
وها هو اليوم يترجم عبر البيان المشترك الصادر عقب لقائه بوزير الخارجية المغربي، السيد ناصر بوريطة، حيث أكدت غانا أن “خطة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب تبقى الأساس الوحيد الواقعي والجاد من أجل حل نهائي ومتفق عليه لهذا النزاع الإقليمي.” اعتراف يتجاوز المجاملة الدبلوماسية إلى موقف مبدئي يحسب لدولة لها ثقلها داخل الاتحاد الإفريقي وضمن منظومة الكومنولث.
ليس من المبالغة القول إن هذا الموقف يدخل في إطار التحول الإفريقي العميق الذي يقوده بحكمة وحنكة جلالة الملك محمد السادس نصره الله، والذي جعل من الملف الصحراوي أولوية استراتيجية للدبلوماسية المغربية، من خلال رؤية واضحة، مبنية على المبادرة، والحضور الميداني، والانفتاح على العمق الإفريقي الحقيقي.
فبفضل هذه القيادة، لم يعد المغرب يكتفي بالدفاع عن صحرائه، بل يفرض واقعه السياسي والتنفيذي والتنموّي على الأرض، ويقنع العالم يوما بعد آخر أن الحل في الصحراء ليس في الأوراق الغارقة في النوايا، بل في المشاريع الملموسة، وفي السياسات الواقعية، وفي مبادرة ملكية جريئة صمدت أمام الزمن والتحديات.
ولا غرابة أن 46 دولة منذ سنة 2000، من بينها 13 دولة إفريقية، قد قررت قطع أو تعليق علاقاتها مع الكيان الوهمي، في لحظة تتكلم بلغة الوقائع لا لغة الإيديولوجيا.
زيارة الوزير الغاني تأتي أيضا بعد أيام قليلة من زيارة مماثلة لوزير الخارجية الكيني، السيد موساليا مودافادي، الذي لم يتردد بدوره في التأكيد على دعم بلاده الكامل للمبادرة المغربية كخيار وحيد وناجع لحل هذا النزاع.
ويؤكد هذا الحراك الإفريقي الجديد أن الدول الأعضاء في مجموعة الكومنولث، كما في المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا (ECOWAS)، باتت تدرك أن الطرح المغربي هو الأكثر انسجاما مع الشرعية الدولية ومع الواقعية السياسية. ويكفي التذكير بأن 11 من أصل 12 دولة أعضاء في الـCEDEAO لا تعترف بالكيان الانفصالي، بينما 9 منها فتحت قنصليات عامة في الأقاليم الجنوبية المغربية، في موقف دبلوماسي له دلالة رمزية وسياسية في غاية الوضوح.
بعيدا عن منطق الصراع، يرتبط المغرب وغانا بوشائج روحية وثقافية عريقة. فالمملكة المغربية، تحت القيادة الروحية لأمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس، لطالما لعبت دورا محوريا في تعزيز الإسلام المعتدل في غرب إفريقيا، عبر روابط الطرق الصوفية، والمؤسسات الدينية، وتكوين الأئمة، وهو ما جعل المغرب شريكا موثوقا لا فقط في السياسة، بل أيضًا في الروح والثقافة والمجتمع.
وهذا البعد الناعم في العلاقات يُعزز من قيمة الموقف الغاني، ويعطيه عمقا يتجاوز السياسة إلى علاقة تقوم على الاحترام المتبادل، والثقة التاريخية، والالتقاء في الرؤى.
ما ينجزه المغرب اليوم، بقيادة جلالة الملك، ليس فقط استقطاب الاعترافات، بل إعادة تشكيل الوعي السياسي الإفريقي تجاه قضية عمرها نصف قرن.
وإذا كان البعض ما يزال يراوح مكانه خلف شعارات باردة، فإن بلدانا وازنة كغانا، تقف اليوم لتقول:
الطرح المغربي ليس فقط ممكنا، بل هو الأجدر بالاحتضان والدعم، لأنه يوفّق بين الواقعية والعدالة، بين السيادة والتنمية، بين الحلّ والمستقبل.
في السياسة كما في الجغرافيا، الحقائق الصلبة تبقى أطول عمرا من الأساطير.






