
بقلم: زكية لعروسي
كان يوم الجمعة من هذا الاسبوع يوما مختلفا، يوما اختلط فيه دفء الحرف بنبض الوطن، وجاءت فيه الثقافة لتصافح المؤسسات، والفن ليعانق الدبلوماسية. فقد احتضنت القنصلية العامة للمملكة المغربية ببونتواز أمسية استثنائية، تجسدت فيها معاني القرب والانفتاح، وشهدت لحظة نادرة يلتقي فيها المثقف بالمسؤول، ويلتئم فيها صوت الإبداع برؤية الدولة.
في قلب هذه اللحظة، برز السيد القنصل العام، صلاح الدين طويس، بصورة مبهرة، لا بوصفه ممثلا للدولة فحسب، بل بوصفه رجل دولة ينصت، يصغي، يحاور، ويؤمن بأن الثقافة ليست ترفا، بل ضرورة، وأن للمثقف مكانة لا تقل شأنا عن أي ركيزة أخرى في الوطن. لقد قدم نموذجا فريدا في احترامه للثقافة والمثقفين، بل جعل من القنصلية فضاء مفتوحا للبوح، واللقاء، والاحتفاء.
لقد التقت في شخصه الهيبة بالتواضع، والمسؤولية بعمق الوعي الثقافي، فجاء حضوره مشعّا ودافئا وملهما. كان أقرب إلى المثقف الحامل لهمّ الوطن من أي وصف بروتوكولي. فتح قلبه للمثقفين والمثقفات، أصغى لآهاتهم، ولأسئلتهم الكبرى، ولرغبتهم في وطن يتسع لحلمهم، ولو من بعيد.
كانت الأمسية الشعرية أنثوية بامتياز، نسجت من ريَش شاعرات مغربيات يمثلن المهجر والوطن بفيض من الإحساس والرؤية، حملن في قصائدهن الوطن بكل تضاريسه، وطقوسه، وألوانه، من صحرائه إلى جباله، ومن أعماقه التاريخية إلى أفقه المتجدد. وكانت ريشتهن شاهدة على أن الأقلام الأنثوية في المهجر ليست فقط حاضرة، بل مبدعة وفاعلة، وصائنة لهوية الوطن في الغربة.
وقد ازدان الحفل بحضور السيد محمد زروالت، رئيس فدرالية جمعيات المغرب بأوروبا، ونائبه السيد عبد العزيز الميريمي، وهما نموذجان للمواطَنة الصادقة، والانخراط الإيجابي في قضايا الوطن، كما أضاءت الأمسية أنغام الفنانَين الحسين والسيد العلوي، في توليفة موسيقية عكست روح المغرب في أبهى تجلياتها.
وكانت اللمسة المؤسسية حاضرة أيضا، من خلال حضور السيدة كوثر الدلهاتي، نائبة القنصل، والسيدة كلثوم رشدي، نائبة عمدة مدينة سيرجي، في مشهد جمع بين الجمال الرسمي والعمق الإنساني، وأكد أن الدبلوماسية لا تنفصل عن نبض الثقافة، ولا تتعالى عن لغة الشعر والإبداع.
هكذا نحب أن نرى المهجر… وهكذا نحب أن تكون مؤسسات دولتنا: منصتة، حاضنة، مشعة بوهج الثقافة، ومسؤوليها مؤمنون بأن المثقف لا يطلب امتيازا، بل يسعى إلى فضاء يسمعه ويحتضنه.
تحية للسيد القنصل العام صلاح الدين طويس، لأنه أدرك أن الثقافة هي جواز السفر الأجمل للمغرب في الخارج… ولأن إنصاته لم يكن مجاملة، بل كان موقفا.