
بقلم: زكية لعروسي
في مشهد سياسي يزداد تعقيدا وسوداوية، يتكشف يوما بعد آخر الوجه الحقيقي لجبهة البوليساريو، التي لطالما ادعت النضال من أجل “تقرير المصير”، بينما تورطت، وفق تحقيقات دولية، في حروب الإبادة والارتزاق، متحالفة مع أنظمة قمعية وتنظيمات إرهابية.
التقارير الجديدة، وعلى رأسها تقرير صادم نشرته صحيفة “واشنطن بوست” بتاريخ 12 أبريل 2025، كشف النقاب عن تورط جبهة البوليساريو في عمليات عسكرية داخل سوريا، بالتعاون مع النظام السوري السابق وإيران. ووفقا للتقرير، تم اعتقال مئات من مقاتلي البوليساريو الذين تلقوا تدريبات وتسليحا من إيران لتنفيذ عمليات تتماشى مع مصالح طهران والجزائر في المنطقة.
من جهة أخرى، أشار فهد المصري، رئيس جبهة الإنقاذ الوطني في سوريا، إلى أن إيران قامت بإرسال حوالي 200 عنصر من البوليساريو إلى جنوب سوريا، حيث تمركزوا في مواقع استراتيجية بالقرب من الجولان، مثل مطار الثعلة العسكري وكتيبة الدفاع الجوي في السويداء. ويعتقد أن هؤلاء العناصر تلقوا تدريبات في مواقع الجيش السوري في ريف درعا خلال ما نشرته صحيفة واشنطن بوست، كشفت أن مئات من عناصر البوليساريو وجدوا طريقهم إلى الأراضي السورية ليس كلاجئين أو مناصرين للحرية، بل كمقاتلين مأجورين في صفوف نظام الأسد، خاضعين لتدريب وتمويل إيراني مباشر. هؤلاء المرتزقة، المدججون بسلاح الجمهورية الإسلامية، شاركوا في عمليات قمع دموي ضد الشعب السوري، وتحديدا في الجنوب قرب الجولان، في قواعد عسكرية شهدت على وحشية الحرب وتواطؤ الصمت.
هذا التطور يسلط الضوء على الروابط التاريخية بين البوليساريو وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وما يجعل الأمر أكثر خطورة هو ما كشفته السلطات الأمنية اليابانية في تقاريرها لعامي 2013 و2014، عندما صنّفت رسميا البوليساريو ضمن التنظيمات المرتبطة بـ”القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”.
لم يكن هذا نتيجة دعاية سياسية، بل تقييم أمني مبني على دلائل تربط البوليساريو بشبكات الإرهاب عبر الساحل والصحراء، وعمليات تهريب السلاح والبشر والمخدرات.
هذا التصنيف يعكس العلاقة المتشابكة بين البوليساريو والجماعات المتطرفة، مما يثير تساؤلات حول طبيعة الدعم الذي تتلقاه الجبهة من بعض الدول.
المال يأتي من الجزائر، والتدريب من الحرس الثوري الإيراني، والساحة كانت سوريا. هذا هو التحالف الجديد، حيث تتقاطع مصالح الأنظمة المنهارة مع التنظيمات المتمردة، في محاولة يائسة لإعادة رسم خريطة النفوذ. ويبدو أن إيران، بعد خسائرها في العراق وسوريا، تحاول اختراق شمال إفريقيا عبر بوابة البوليساريو، لتنشئ نسخة صحراوية من “حزب الله”.
تورط يعكس استراتيجية إيران في توسيع نفوذها الإقليمي من خلال تجنيد وكلاء جدد، خاصة في شمال أفريقيا. ويُظهر أيضا كيف يمكن لجماعات مثل البوليساريو أن تتحول من حركة انفصالية إلى أداة في صراعات إقليمية أوسع، مما يهدد الأمن والاستقرار في مناطق متعددة.
في ظل هذه التطورات، يصبح من الضروري إعادة تقييم المواقف الدولية تجاه البوليساريو، خاصة في ضوء دعمها من قبل دول مثل الجزائر، التي توفر لها الدعم المالي واللوجستي والدبلوماسي. كما يجب النظر في تأثير هذا الدعم على استقرار المنطقة، خاصة مع تزايد الأدلة على تورط الجبهة في أنشطة تتجاوز حدود نزاع الصحراء الغربية.
اصبحت الحاجة ملحة إلى مراجعة شاملة للسياسات الدولية تجاه البوليساريو، مع التركيز على التهديدات الأمنية المحتملة التي قد تنجم عن دعمها من قبل دول تسعى إلى توسيع نفوذها الإقليمي من خلال وكلاء غير تقليديين.
لم يعد الحديث عن البوليساريو كشريك تفاوضي أمرا مقبولا. بل إن هناك تحركات جدية داخل الكونغرس الأميركي لتصنيفها كمنظمة إرهابية. فهل يعقل أن يغض العالم الطرف عن مليشيا تقاتل بأوامر الحرس الثوري، وتدرب على يد “فاطميين”، وتهرّب السلاح مع القاعدة، وتعيش على نفط الجزائر والكبتاغون السوري؟
اليوم، سقط القناع عن “جبهة التحرير” المزعومة، وتجلت حقيقة البوليساريو كأداة مأجورة في لعبة أمم قذرة. لم تعد المسألة قضية حدود أو تقرير مصير، بل قضية أمن دولي ومكافحة الإرهاب. العالم مدعو لاتخاذ موقف حاسم، قبل أن يتحول شمال إفريقيا إلى نسخة أخرى من الشرق الأوسط المشتعل. الوقت قد حان لتسمية الأشياء بأسمائها: البوليساريو منظمة إرهابية.