أخبارسياسة

الجزائر مع فرنسا: لعب دبلوماسية الفْشُوشْ في طاحونة السياسة الدولية

بقلم: زكية لعروسي

في ساحة الدبلوماسية الملبدة بالتوترات، حيث تتشابك المصالح وتتقاطع الأهداف، نجد أنفسنا أمام مشهد مشحون بالتصعيد بين الجزائر وفرنسا، يظهر جليا من خلال تبادل استدعاء السفراء والدبلوماسيين بين البلدين. في هذا السياق، تظهر الجزائر وجها آخر لمواقفها السياسية التي تسعى جاهدة للهيمنة على مجريات العلاقات الدولية، دون النظر إلى تداعيات هذا التصلب على علاقاتها مع القوى الكبرى، وعلى رأسها فرنسا. وكأن الجزائر عازمة على “طحن الأخضر واليابس”، في لعبة دبلوماسية لا تكتفي بالرهانات التقليدية، بل تفرغ آلامها السياسية في لعبة “الكل أو لا شيء” التي قد تقودها إلى عزلة لا فكاك منها.

الجزائر: “دبلوماسية الفشوش” في قالب “بوهزازي

في هذا العالم الذي تسوده التهديدات والتكتيكات، تبرز الجزائر اليوم في صورة “البوهزاز”، الذي يسعى لفرض نفسه في الساحة الدولية من خلال أفعال غير متزنة، تفتقر إلى الحكمة في تقدير المواقف. فنجد أنها تتخذ قرارات تتسم بالتصعيد المتعمد، فتتبادل طرد الدبلوماسيين الفرنسيين وتعرض نفسها لمزيد من العزلة، في محاولة غير محمودة للهيمنة على النقاشات السياسية. تعتبر الجزائر في هذه اللحظة – بواقعية مريرة – “صاحبة ديبلوماسية الفشوش”، إذ تبتعد عن الحوار الهادئ وتغرق في مواقف عاطفية تأخذها بعيدا عن التعقل.

ما الذي تفعله “الجزائر البوهزازية” في العالم اليوم؟ تشهد الساحة الدولية طحنا سياسيا للأخضر واليابس من خلال مواقف مشحونة بالعدائية التي تضاعف الجفوة بين الجزائر وفرنسا، بدلا من فتح باب الحوار والتفاهم. ومع كل طرد دبلوماسي أو قرار صادم، تزيد الجزائر من عمق أزمتها وتفتح على نفسها أبواب العزلة السياسية التي لا مفر منها.

في المقابل، نجد أن فرنسا لا تتوانى في الرد بشكل حازم على التصرفات الجزائرية ب”شكل ممنهج” حيث تعتبر أن طرد دبلوماسييها خطوة “غير مبررة”، وأن الجزائر تتحمل مسؤولية هذا التدهور المفاجئ في العلاقات. فالعلاقة بين البلدين لم تكن يوما بسيطة أو خالية من التوترات، لكن هذا التصعيد يظهر كيف أن الجزائر قد تكون قد “رسمت لنفسها طريقا مسدودا” في عالم دبلوماسي معقد.

إن تصرف الجزائر لا يعد مجرد إجراء دبلوماسي بسيط، بل هو تصعيد عميق  يضع العلاقات بين البلدين على حافة الهوة. وبدلا من السعي إلى التفاهم في قضايا التعاون الكبرى، تبدو الجزائر في هذا السياق وكأنها تراهن على التصعيد المبالغ فيه، محاكاة للأمثال الشعبية التي تعكس حالها في هذه الفترة مثل “اللي كَحْل وَلَّى مْحْوَل” أو “اللي غَشَّاها رَبَّاهَا”، في محاولة للهيمنة بدون رؤية واضحة، وهي في النهاية لا تجني إلا مزيدا من العزلة “من فوق الجبل لا ترى العقول” – سياسة الردود الغير محسوبة

ما يزيد الوضع تعقيدا هو أن الجزائر تحاول أن تبني دبلوماسية من خلال التنقل بين “التهديدات” و”الضغط”، متجاهلة أهمية الاستقرار السياسي والاقتصادي في الحفاظ على مكانتها. وكما يقال في المثل الشعبي المصري “إيدك في جيبنا ولسانك في السماء”، هذا التصعيد الجزائري ليس إلا محاولة للظهور بمظهر القوي، ولكن من دون الاعتبار لما قد تؤول إليه الأمور في المستقبل.

بينما يبدو أن الجزائر قد تخطّت الحدود في محاولاتها لتعزيز مكانتها على الساحة الدولية، تسعى فرنسا في ذات الوقت إلى حفظ مصالحها وفرض خطوط حمراء في هذا الصراع الدبلوماسي المعقد. لكن في لعبة “التهديد والتصعيد”، يبدو أن الجزائر لا تدرك أن “من فوق الجبل لا ترى العقول”، وأن اللعب بالنار قد يؤدي إلى نتائج كارثية.

تظل الجزائر في موقف “الفشوش” الدبلوماسي، حيث تسعى لتقديم نفسها كلاعب سياسي قوي على الساحة الدولية من خلال التضحية بالاستقرار من أجل الهيمنة، ولكنها في حقيقة الأمر تهدد بتورطها في فخ العزلة السياسية. كما يقول المثل المغربي “قبضوني ولا نطيح”، في إشارة إلى أن الجزائر تحاول فرض سيطرتها رغم عواقب الأمور، متجاهلة التوازنات الدقيقة في العلاقات الدولية. فالسؤال الذي يطرح نفسه: هل ستستمر الجزائر في هذه السياسة المتهورة أم ستتعلم الدروس اللازمة لفتح أبواب جديدة من التفاهم والنجاح؟

علاقة الجزائر بفرنسا ليست مجرد صراع دبلوماسي، بل هي حالة دائمة من تبادل اللكمات بين قوتين عظيمتين في منطقة البحر الأبيض المتوسط، وهكذا تظل أسئلة المستقبل بلا إجابات واضحة: هل ستستمر الجزائر في تصعيد التوترات والتهديد والفشوش، أم ستجد طريقا للتهدئة مع فرنسا؟

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Soyez le premier à lire nos articles en activant les notifications ! Activer Non Merci