بقلم: زكية لعروسي

في عالم يفترض أنه يسير نحو العدالة وحقوق الإنسان، نجد أنفسنا أمام مشهد كابوسي: كاتب في الثمانين من عمره، يعاني من مرض السرطان، يحاكم ويطالب بسجنه عشر سنوات لمجرد كلماته! أي عالم هذا الذي نعيش فيه؟ وأي مستقبل ينتظر دولة تسجن مثقفيها بدلا من الاحتفاء بهم؟
بوعلام صنصال، الكاتب الجزائري-الفرنسي، أُلقي القبض عليه فور وصوله إلى الجزائر في نوفمبر 2024، ليواجه قائمة طويلة من التهم، أبرزها “المساس بالوحدة الوطنية” و”التحريض على زعزعة استقرار الدولة”. تهم فضفاضة تستخدم كأدوات جاهزة لإسكات الأصوات المعارضة. هل أصبح التعبير عن الرأي جريمة يعاقب عليها بالسجن في هذا الزمن؟
المحاكمة لم تكن سوى إجراء شكلي، أشبه بمسرحية عبثية حيث تكون النهاية محسومة مسبقا. لم يسمح لصنصال حتى بتوكيل محام بحرية، إذ تعرّض لضغوط لتغيير دفاعه. وكأن الدولة التي تقدّم نفسها على أنها تحمي “المصلحة العامة”، لا تثق حتى في نزاهة محاميها!
النظام الجزائري يواصل طريقه في ممارسات القمع، غير آبه بالانتقادات الدولية، ولا حتى بحقوق المسنين الذين يفترض أن يحظوا برعاية خاصة لا بالسجون والتنكيل. صنصال لم يرفع سلاحا، لم يحرّض على العنف، بل كتب. كتب بحرية، قال رأيه، وانتقد. فهل أصبح النقد جريمة تستحق الزج بصاحبها في زنزانة باردة؟
ما يحدث ليس مجرد محاكمة، بل رسالة تهديد لكل مثقف جزائري يجرؤ على تجاوز الخطوط الحمراء التي يضعها النظام. إنها محاكمة للفكر، محاولة يائسة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، إلى زمن كانت فيه الكلمة جريمة تستحق العقاب الأقصى.
دولة تحاكم كاتبا مسنا بسبب كلماته، لن تكون سوى دولة خائفة من الحقيقة. فالأنظمة الواثقة من شرعيتها لا تحتاج إلى كتم الأفواه، بل ترحب بالنقاش والاختلاف. لكن حين يصبح القلم عدوا، فاعلم أن السلطة تخشى ضعفه أكثر مما تخشى قوة السلاح.
الدولة الضاربة في العداء أمام مفترق طرق: إما أن تختار الانفتاح والحرية، أو تواصل انحدارها في قمع الحريات وإسكات الأصوات. ولكن، هل يمكن لنظام أن يسجن كل من يعارضه؟ هل يستطيع أن يكمم كل الأفواه؟ أم أن صوت الحرية سيظل يتردد، حتى في زنزانات السجون؟
بوعلام صنصال قد يحكم عليه بالسجن، لكن كلماته ستبقى. والتاريخ لن يذكر من اضطهدوه، بل سيذكره هو، ككاتب لم يخضع، حتى عندما كانت حريته على المحك.