أيُّ امرأة لا تحب أن يُغازلها رجل؟

بقلم: زكية لعروسي

أيُّ امرأة لا تحب أن يُغازلها رجل؟ أيُّ قلب لا يرقّ لكلمة عذبة تقال بصدق وإعجاب؟ لكننا اليوم نعيش زمنا انقلبت فيه الموازين، وصار الغزل الذي كان فنا ومتنفسا للعاطفة، وإطراء بريئا، اختراقا وقحا للسيدات. كيف تحوَّل الغزل المشتهى إلى تحرش؟

هل بقيت هناك مساحة للحب والتعبير دون خوف؟أين نحن؟ وكيف وصلنا إلى هذه النقطة التي أصبحت فيها المرأة ممزقة بين الرغبة في الرومانسية والخوف من الغزل؟ بين حاجتها إلى كلمات الحب وبين اعتبارها تهديدا؟ هل فقدنا البوصلة العاطفية وأصبحنا نعيش ازدواجية غير مفهومة؟

اليوم، المرأة لم تعد تعرف ما تريد، أو بالأحرى، لم تعد تُمنح الفرصة لتعرف. تعيش في حالة من “الاسكيزوفرينيا العاطفية”: من جهة، نشكو جميعا من قلة الأحاسيس، من جفاف المشاعر، من غياب العشق الحقيقي وسط عالم مادي وبارد. ومن جهة أخرى، نحارب كل رجل يتجرأ على الغزل، ونتعامل مع أي إطراء على أنه تهديد محتمل. فماذا أريد وتريدين حقا يا سيدتي؟

حرية المرأة العاطفية لا تعني أن تكون مجبرة على تقبل أي غزل أو أي كلمة إعجاب، لكنها أيضا لا تعني أن تعيش في عالم خال من الرومانسية. المرأة ليست محكومة بأن تكون إما ضحية للتحرش أو محصنة ضد أي كلمة عاطفية. هناك منطقة وسطى، وهي حقها في اختيار متى تتأثر ومتى ترفض، متى تعتبر الكلام غزلا ومتى تعتبره اقتحاما.

اليوم، نجد أنفسنا أمام معادلة معقدة: المرأة تريد الحب، لكنها تخاف منه. تريد أن يُقال لها إنها جميلة، لكنها تخشى أن يكون ذلك مقدمة لمضايقة.
كيف يمكنها أن تكون حرة عاطفيا، إن كان التعبير عن العاطفة نفسها بات مشوشا؟ وهل أصبح الغزل جريمة؟

الغزل لم يكن يوما مشكلة، لكن المشكلة تكمن في التشويش الذي لحق به. في الماضي، كان واضحا متى يكون الغزل إعجابا صادقا، ومتى يكون تحرشا، لأن المجتمع نفسه كان يضع حدودا تحمي كرامة المرأة دون أن تحرمها من متعة أن تكون معشوقة.

أما اليوم، فقد أصبح الغزل سلاحا ذا حدين: إما أن يعتبر تطفلا مزعجا، حتى لو كان بنية حسنة. وإما أن يكون مدخلا لاستباحة المساحات الخاصة للمرأة، فتجد نفسها محاصرة دون أن تعرف كيف تتخلص من ذلك. وهنا، يحدث الضياع: كيف نفرق بين الغزل الحقيقي والتطفل؟ بين الكلمة الجميلة والتهديد؟ بين العاطفة النقية والاستغلال؟

على مواقع التواصل، لم يعد الغزل كما كان. لم يعد مجاملة عابرة أو بيت شعر مهذب، بل تحول أحيانا إلى حصار رقمي، حيث أي تفاعل قد يُفهم على أنه دعوة، وأي إعجاب قد يُفسّر على أنه فتح للأبواب. وهكذا، أصبحت المرأة بين نارين: إن تقبّلت الغزل، قد تجد نفسها وسط دوامة من التطفل والمضايقات. وإن رفضته، قد تُتّهم بالبرود أو الغرور. والنتيجة؟ لم نعد نرى من الورد إلا الشوك. لم نعد نفرّق بين الغزل اللطيف والتحرش الوقح. لم نعد نعرف كيف نعيش الحب، ولا كيف نتجنبه. فإلى أين؟ وكيف نستعيد المعادلة المفقودة؟

إذا أردنا استعادة حرية المرأة العاطفية، فعلينا إعادة ترتيب مفاهيمنا:

-الغزل ليس تحرشا، لكنه ليس تصريحا بالاقتحام أيضا.

-المرأة ليست مضطرة لتحمل أي كلام يقال لها، لكنها أيضا ليست مضطرة لأن تعيش في صمت عاطفي.

-الاحترام لا يتناقض مع العاطفة، والحرية لا تعني الفوضى.

فأين نحن من كل هذا؟ نحن في مرحلة ضياع، بين الحاجة إلى الحب والخوف منه. بين رفض الجفاف العاطفي ورفض الغزل في آن واحد. بين الشكوى من قلة الرومانسية ومحاربة الرجل الذي يحاول أن يكون رومانسيا.

الحل؟ أن ندرك أن العاطفة اختيار، والرفض حق، والحدود ترسم بالاحترام لا بالخوف. وأن الحب ليس جريمة، لكنه أيضا ليس غزوا.

فأحبي سيدتي بإرادتك. وتأثري، بمشاعرك، فتسييس العاطفة سترمي بك وبي بين مخالب الفراغ وصقور التواصل الاجتماعي.