احتدام المواقف بين أوروبا وأمريكا: هل نشهد ولادة قوة نووية أوروبية؟

 

 

 

بقلم: زكية لعروسي

تشهد الساحة الدولية تحولات استراتيجية غير مسبوقة مع تصاعد التوتر بين الحلفاء التقليديين في الغرب، حيث تواجه العلاقات الأمريكية-الأوروبية تحديا وجوديا في ظل تغير السياسات الأمريكية تجاه أوكرانيا وتقارب واشنطن المحتمل مع موسكو. في هذا السياق، يبرز توجه جديد نحو تعزيز استقلالية أوروبا عسكريا، وصولا إلى نقاش حساس حول إمكانية بناء قوة نووية أوروبية مستقلة عن المظلة الأمريكية.

بعد المواجهة الحادة التي جمعته بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وجد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي نفسه أمام مشهد سياسي مضطرب دفعه إلى البحث عن دعم أوروبي بديل. كان الاستقبال البريطاني له أكثر دفئا مقارنة بما واجهه في واشنطن، حيث أكد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر دعمه “الثابت” لكييف، في إشارة واضحة إلى استمرار المساندة البريطانية لأوكرانيا رغم التحولات الجيوسياسية.

زيارة زيلينسكي إلى لندن لم تكن مجرد محطة دبلوماسية عادية، بل جاءت في إطار قمة أوروبية أوسع تبحث في كيفية التصدي لتراجع الدعم الأمريكي وتنامي النفوذ الروسي، وهو ما أعاد إلى الواجهة مسألة استقلالية أوروبا الدفاعية، وخصوصا ملف الردع النووي. فهل تتخلى واشنطن عن حلفائها؟

تصاعد نبرة الحذر الأوروبي من السياسات الأمريكية الجديدة تجلّى بوضوح في تصريحات وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، التي وصفت اللحظة الراهنة بأنها “بداية لعصر جديد من العار”، في إشارة إلى تخلي واشنطن عن مسؤولياتها التاريخية في حماية النظام الدولي القائم على القواعد والقانون.

يأتي هذا القلق الأوروبي مدفوعا بعدة تطورات:

• – تقدم القوات الروسية ميدانيًا في شرق أوكرانيا، ما يعكس تراجع قدرة كييف الدفاعية في غياب دعم أمريكي كافٍ.

• – الخطاب الأمريكي المتغير، حيث بات واضحًا أن إدارة ترامب تتجه نحو تقليل انخراطها في الصراعات الأوروبية، وربما حتى إعادة تشكيل علاقتها مع روسيا.

• – تصاعد التيارات القومية واليمينية في أوروبا، والتي تعارض بشدة أي مشروع لتعزيز التعاون العسكري الأوروبي على حساب السيادة الوطنية.

في مواجهة هذا الواقع الجديد، طرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فكرة إنشاء مظلة نووية أوروبية مستقلة. فهل هو خيار استراتيجي أم حلم؟

هو مقترح يلقى دعما حذرا من المستشار الألماني المستقبلي فريدريش ميرتس، الذي يرى أن على أوروبا الاستعداد “لأسوأ سيناريو”، وهو انسحاب أمريكا من التزاماتها الدفاعية تجاه القارة العجوز.

لكن هذه الفكرة تصطدم بعدة تحديات:

• – السيادة الفرنسية على ترسانتها النووية:

• منذ عهد الجنرال ديغول، تتبع فرنسا استراتيجية ردع نووي مستقلة تمامًا، ولا تخضع قراراتها العسكرية لأي سلطة خارجية. فهل ستقبل باريس بمشاركة قرار استخدامها مع حلفاء أوروبيين؟

• – المعارضة الداخلية في أوروبا:

• في حين تدعم بعض النخب السياسية فكرة التكامل الدفاعي الأوروبي، تعارضها بقوة الأحزاب اليمينية والشعوب التي تخشى التورط في نزاعات عسكرية لا مصلحة مباشرة لها فيها.

• – الردع الروسي:

• هل ستنظر موسكو إلى قوة نووية أوروبية جديدة على أنها تهديد مباشر يدفعها إلى تصعيد استراتيجي قد يُسرّع من سباق تسلح جديد؟ وما هو القادم؟

يبدو أن أوروبا دخلت مرحلة حرجة ستحدد مستقبلها الاستراتيجي في العقود القادمة. فإذا استمر التراجع الأمريكي، فإن القارة لن يكون أمامها سوى خيارين: إما الرضوخ للنفوذ الروسي أو بناء قوة دفاعية مستقلة قد تشمل قدرات نووية.

الأسابيع المقبلة ستكشف إلى أي مدى يمكن لأوروبا أن تتخذ قرارات مصيرية، وهل ستتمكن من كسر إرث عقود من الاعتماد على الحماية الأمريكية، أم أن التوتر الحالي سيظل مجرد عاصفة سياسية تنتهي دون تغيير جذري في ميزان القوى العالمي؟