بقلم: زكية لعروسي

كيف يمكن لمؤتمر يعنى باللغة العربية، لغة الأمة وهويتها، أن يُعقد دون تمثيل لمثقفي الجالية، الذين هم خط الدفاع الأول عن العربية في مجتمعات المهجر؟ وكيف يمكن لمجلس الجالية، المفترض أن يكون صلة وصل بين أبناء المهجر والوطن، أن يظل صامتًا كأنه مجلس أشباح؟ الأسئلة تطرق الأذهان، لكنها ليست جديدة؛ إنها امتداد لسؤال الهوية الذي شغل فكر العرب منذ القدم.
لقد وعى المفكرون الكبار، من الجاحظ إلى ابن خلدون، أن اللغة ليست مجرد أداة تواصل، بل هي تجسيد للهوية وروح الأمة. الجاحظ رأى في اللغة مفتاح فهم طبيعة الأمم، وهي عنده ليست مجرد ألفاظ، بل انعكاس لعقل الجماعة وسلوكها. أما السعودي في كتاباته عن الهوية، فقد أكد أن استمرارية الأمة لا تتحقق إلا بالحفاظ على لغتها، لأن فقدان اللغة هو أول خطوة نحو الذوبان في الآخر. وابن خلدون، في مقدمته، كان صريحًا في تحليله لدور اللغة في صعود الأمم وسقوطها؛ فالأمة التي تضعف لغتها تضعف ثقافتها، ومن ثم تضعف هويتها، لتصبح في النهاية تابعة لا متبوعة.
إذا أسقطنا هذه الرؤى على واقع اليوم، فكيف نفهم تغييب مثقفي المهجر عن مؤتمر يُفترض أن يكون معنيًا بحماية اللغة؟ أهو جهل بأهمية دورهم؟ أم أن الأمر أعمق من ذلك، ليعكس خللًا في رؤية من ينظمون هذه الفعاليات، حيث يُحصر الأمر في نخب ضيقة، بعيدة عن معركة الحفاظ على اللغة في بيئات الاغتراب؟
إن الهوية العربية ليست شعارًا يُرفع في المؤتمرات، بل هي معركة يومية يخوضها المثقفون في الشتات، حيث يواجهون طوفان اللغات الأجنبية وتحديات الاندماج دون ذوبان. تغييبهم عن مؤتمر كهذا ليس مجرد خطأ تنظيمي، بل هو إقصاء لدورهم وتقزيم لجهودهم في صون العربية من التهميش والتلاشي.
إذا كان الهدف هو نهضة العربية، فلا بد أن نستلهم دروس الجاحظ والسعودي وابن خلدون: الحفاظ على اللغة مسؤولية جماعية، وإقصاء الفاعلين الحقيقيين هو تهميش للهوية نفسها. أما إذا ظل الأمر حكرًا على نخب مغلقة، فإن الهوية ستظل مهددة، كما حدث مرارًا في التاريخ حين غاب الوعي عن ضرورة إشراك جميع القوى المؤثرة.