بقلم: زكية لعروسي

منذ أن كنا أطفالا، كان كل ما نحلم به هو أن نكون جزءا من العالم اللامع، العالم الذي يعجّ بالقوة والنفوذ. كنا نرى في الشخصيات السياسية أمراء وأميرات على عروشهم، نتخيل أنفسنا في هذا العالم البعيد الذي يغمره السحر. كان الحلم أن نصبح زوجات لشخصيات سياسية مؤثرة، وأن نعيش حياة مليئة بالأضواء، الحفلات، والهيبة. «غادي نكونو مثل الأميرات فالحكايات» كان هذا هو شعار أحلامنا. ولكن هل تصوّرنا يوما أن هذا الحلم قد يقود إلى جحيم من نوع آخر؟
لم نتصور يوما ان الحلم صغير والواقع الكبير «اللي بغا العسل، يصبر على قرص النحل»، كما يقول المثل المغربي. كنا نحلم بالعيش في عالم السياسيين، حيث القوة والمكانة، ولكننا لم نكن نعلم أن السياسة تسرق كل شيء من أيدي من يظنّون أنها مفتاح للنجاح. الرجل الذي كان يوما فارسا في عيوننا يصبح بعيدا عنا، مشغولا بهموم السياسة.
في البداية كان هناك الحلم، كانت هناك اللحظات الجميلة التي نعيشها سويا، لكننا لا نلبث أن نكتشف أن السياسة هي الزوجة الثانية، التي تأخذ أكثر مما تعطي.
“دار العرس، باينة من برا»، كما يقول المثل، فقد تبدو الحياة الزوجية في البداية مليئة بالأمل والسعادة، ولكن بعد أن يغرق الزوج في عالم السياسة، تتغير الأمور. مع كل صباح، يبدأ زوج الشخصية السياسية يومه بعيدا عنك، غارقا في الاجتماعات، الضغوطات، والقرارات التي لا تنتهي. وعندما يعود في المساء، يكون مرهقا، شبه غريب عنك، مغمورا بأعباء العالم السياسي، وتلك اللحظات التي كنت يا سيدتي تشاركينها معه تتلاشى شيئا فشيئا. فيبدا مسلسل الضياع النفسي.
وإذا تحدثنا عن المعاناة النفسية، فالوضع أكثر تعقيدا. تصبح الزوجة محاصَرة بين الخوف على علاقتها وبين رغبتها في الحفاظ على الاستقرار العاطفي في حياتها. تشعر وكأنها تراقب الزوج من بعيد، كما لو كان شخصا آخر، بعيدا عن الحب الذي جمعهما في البداية. هذا التغيير لا يمكن للمرأة أن تجهله، فكل لحظة تغيب فيها هي لحظة ضياع لجزء من نفسها.
“اللي غاب ما يتسال”، كما يقول المثل، فعندما يغيب الزوج عن بيته بسبب انشغاله بالسياسة، تبدأ الزوجة في معركة حقيقية مع نفسها، تتساءل هل كانت تستحق هذا العناء؟ هل كانت ستظل تحتفظ بحلمها البسيط عن الحياة الزوجية في ظل عالم لا يعترف بالوقت ولا بالإنسان؟ ترى نفسها محاصرة بين الواقع الذي يقف ضدها وبين الذاكرة التي تحتفظ بصورة أخرى للزوج الذي كان.
نعم يا سيدتي السياسة، كما نعلم جميعا، هي لعبة لا ترحم. قد تبدو في البداية مغرية، لكنها في الواقع قاسية جدا على الأرواح. “اللي يمارس السياسة، يمشي في طريق العذاب”، هذا ما يقوله العديد من المغاربة الذين عاشوا هذا الواقع. الزوجة التي كانت يوما ترى في زوجها الرجل القوي، تصبح الآن أسيرة عالمه المليء بالصراعات السياسية، حيث لا مكان للمشاعر ولا للوقت. يتقلب في عالم مليء بالمصالح المتشابكة التي لا تترك له أي فسحة للحب أو التفرغ للعائلة.
في كل مرة يظهر فيها الزوج أمامها، يكون مثل الجندي الذي يعود من ساحة معركة، مهزوما ومنهكا، لكن مع ذلك يحاول إخفاء آلامه. والزوجة لا تملك سوى أن تشاهد ذلك الصراع عن كثب، تُحاول إحياء شعلة الأمل في قلبها، ولكن الحلم الذي كانت تتمناه يتحول إلى واقع مؤلم. “اللي عاشها فالتجربة، ما يقدرش ينسى جرحها”، كما كانت تقول امي خيرة عن والدي بمرارة، هكذا تجد الزوجة نفسها في دوامة لا تنتهي، بين حلمها وبين الواقع الذي أصبح يجرّها إلى هاوية من العذاب النفسي.
تستيقظ الزوجة ذات يوم لتكتشف أن السياسة لا مكان فيها للحب كما كانت تحلم “سال المجرب لا تسال الطبيب”. هذا الطريق الذي اعتقدت أنه سيقودها إلى عالم من النجاح والرفاهية، يتحول إلى معركة يومية بين الأمل والواقع القاسي. الحياة مع زوج سياسي ليست كما تظنينها سيدتي، فكلما حاولت الزوجة التقرب من زوجها، ابتعد أكثر، وكلما رأت فيه فارسها، وجدته يغرق أكثر في عالم لا يرحم.
إذن، ما تبقى من الحلم؟ هل كان مجرد سراب أم أننا كنا نعيش في فقاعة من الأمل، سرعان ما انفجرت؟ اليوم، بعدما أفقت من حلم الأميرة، أقول بصراحة: “اللي بغى يعيش مع السياسي، خصو يتحمل ثمن السياسة”.
الواقع، كما نرى، لا يعترف بالبراءة ولا بالأحلام الطفولية. وكما يقول المثل المغربي: “حلمك يكون شويا، والواقع كيكون أكثر”، ولكن الواقع الذي نعيشه اليوم لا يشبه ما كان في خيالنا.