صديق كبير للمغرب على رأس مفوضية الاتحاد الإفريقي

 

 

 

بقلم: زكية لعروسي

في خطوة تعكس التحولات العميقة في المشهد السياسي الإفريقي، انتخب القادة الأفارقة وزير الخارجية الجيبوتي، محمود علي يوسف، رئيسا جديدا لمفوضية الاتحاد الإفريقي، ليخلف التشادي موسى فقي بعد ولايتين متتاليتين. هذا الفوز ليس مجرد حدث عادي في كواليس الدبلوماسية الإفريقية، بل هو مؤشر قوي على التحولات الاستراتيجية داخل القارة، حيث يبرز المغرب كفاعل رئيسي في صناعة القرار الإفريقي، بفضل رؤيته الدبلوماسية بعيدة المدى التي يقودها وزير الخارجية ناصر بوريطة.

لم يكن انتخاب محمود علي يوسف وليد الصدفة، بل جاء تتويجا لعلاقات متينة بين الرباط وجيبوتي وتحالف استراتيجي ومصالح مشتركة، والتي عززتها لقاءاته مع الوزير ناصر بوريطة، خاصة زيارته الأخيرة إلى المغرب في ديسمبر الماضي، حيث كان يحمل رسالة خطية من الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيله إلى جلالة الملك محمد السادس. حينها، أعرب يوسف عن أمله في دعم المملكة لترشحه لهذا المنصب الرفيع، وهو ما تحقق بفضل تحركات دبلوماسية مدروسة تعكس مدى قوة العلاقات المغربية-الجيبوتية.

 

 

جيبوتي، البلد الذي طالما دعم الوحدة الترابية للمملكة، لم يكتفِ بالموقف الدبلوماسي فقط، بل جسّد دعمه بفتح قنصلية عامة في الداخلة سنة 2020، ليؤكد على موقفه الثابت تجاه قضية الصحراء المغربية. من هنا، يصبح انتخاب محمود علي يوسف ليس مجرد نجاح لبلده، بل هو انتصار لمحور استراتيجي يضم المغرب كفاعل محوري في إعادة تشكيل مستقبل إفريقيا.

دبلوماسية بوريطة هي رؤية بعيدة وأياد ممتدة. فنجاح المغرب في دعم صعود شخصية صديقة إلى قمة هرم الاتحاد الإفريقي يثبت مرة أخرى أن السياسة الخارجية التي يقودها ناصر بوريطة ليست قائمة على ردود الفعل، بل على رؤية استشرافية تستبق الأحداث وتستثمر في العلاقات الاستراتيجية.

فكيف لا نفخر بدبلوماسية مغربية تسير وفق خطط مدروسة وتُفعِّل تحالفاتها بحكمة، في وقت لا تزال فيه بعض الأطراف الإقليمية تراهن على الأساليب التقليدية والمناورات المتجاوزة؟
إذا كانت بعض الدول الإفريقية تنهج سياسة قصيرة النظر، فإن المغرب اختار طريقا آخر، يعتمد على شراكات مستدامة، استثمار في التعليم والتكوين، وتعزيز التعاون في مجالات البنوك، البناء، السياحة، والفندقة، وهي مجالات تعكس العمق الحقيقي للعلاقات وليس مجرد علاقات بروتوكولية عابرة.

إذا أردنا أن نستلهم من تراثنا الشعبي ما يعبر عن هذا الانتصار الدبلوماسي، فسنجد في حكمة “امي خيرة” السياسية تعبيرا مناسبا: “اللي يزرع العنب ما يحصد الشوك”. المغرب لم يأت لهذا المنصب عبر الشعارات الفارغة، بل عبر سنوات من الاستثمار في العلاقات الإفريقية، بناء الجسور مع الدول الشقيقة، والالتزام بمبادئ التعاون الحقيقي.

انتخاب محمود علي يوسف هو انتصار للمغرب بقدر ما هو انتصار لجيبوتي، وهو دليل على أن الرؤية الاستراتيجية التي تنهجها الرباط تؤتي ثمارها في مواقع صنع القرار الإفريقي. وكما يقال بالدارجة: “مول النية يربح”، والمغرب أثبت أنه صاحب نية صافية واستراتيجية ناجحة، في وقت تتخبط فيه بعض الدول في حسابات ضيقة لا تسمن ولا تغني من جوع.

اليوم، إفريقيا تتحرك، والمغرب ليس مجرد متفرج، بل صانع للحدث، وعندما يكون لنا أصدقاء في أماكن القرار، فإن ذلك يعني أن المستقبل يبشر بالمزيد من الانتصارات الدبلوماسية.