صدر لوزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو مقال في صحيفة وول ستريت جورنال يكشف فيه التوجهات الجديدة للإدارة الأمريكية، مبرزا أن البراغماتية ستكون عنوان المرحلة. وفي هذا المقال، يعلن السيد روبيو أن دول أمريكا الوسطى (بنما، كوستاريكا، غواتيمالا، والجمهورية الدومينيكية) ستحضى بأولى جولاته الخارجية. وللإشارة، فهذه الدول تعتبر صديقة للمغرب و تحترم سيادته على صحرائه.
في المقابل، وجه السيد روبيو سهام النقد لما تبقى من حلفاء للجزائر في أمريكا اللاتينية وعلى رأسها فنزويلا و كوبا. ولفهم التوجهات الجديدة للسياسة الخارجية الأمريكية، إليكم هذا المقال التحليلي لمراسلة صحيفة الكوليماتور من باريس، السيدة زكية لعروسي.
بقلم: زكية لعروسي

في السياسة، لا مكان للصدف، وإنما تتقاطع المصالح في مسارات مدروسة بعناية، وتُرسم الاستراتيجيات بذكاء، وإن كان خلف أقنعة قد تبدو للوهلة الأولى عفوية أو مثيرة للجدل. هذا ما رأيناه في السياسة الخارجية الأمريكية، التي اتخذت منعطفاً حاسماً سنة 2020 مع الاعتراف التاريخي بمغربية الصحراء من قبل إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب. فمن وراء أسلوبه الشعبوي وتصريحاته المثيرة، تتجلى براغماتية دقيقة وحسابات استراتيجية عميقة تخدم المصالح الأمريكية، وتتقاطع في الوقت نفسه مع مصالح المغرب في قضيته العادلة.
قرار الاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه لم يكن مجرد خطوة دبلوماسية عابرة، بل تحول استراتيجي له أبعاده الإقليمية والدولية. فمنذ ذلك الحين، أصبح المغرب حليفا رئيسيا في المنطقة، ليس فقط على المستوى السياسي، ولكن أيضا في محاربة الإرهاب، تعزيز الأمن، وتنمية الاقتصاد المشترك.
ما يجعل هذا القرار ذا أهمية بالغة هو كونه جزءا من رؤية أشمل تعتمد على إعادة ترتيب الأولويات الأمريكية في نصف الكرة الغربي، وهي الرؤية التي عبر عنها ماركو روبيو في مقاله. الدول التي ذكرها روبيو مثل بنما، كوستاريكا، غواتيمالا، والجمهورية الدومينيكية ليست مجرد شركاء لأمريكا، بل هي دول صديقة للمغرب، لها مواقف داعمة لوحدته الترابية، على عكس دول أخرى مثل الجزائر وكوبا وفنزويلا التي تتبنى مواقف عدائية تجاه المغرب.
في مقاله، لم يذكر روبيو دولا ذات مواقف عدائية تجاه المغرب مثل الجزائر التي تدعم ميليشيا البوليساريو وتعمل على تأجيج النزاع في الصحراء..
السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل بدأت الرياح تهب من جديد في اتجاه يتماشى مع المصالح المغربية؟
الجواب يتضح في تماهي المصالح الأمريكية مع الموقف المغربي. فالدول التي أشار إليها روبيو هي دول تسعى لتعزيز الشراكة مع الولايات المتحدة، وهو ما يجعلها تلقائيا في انسجام مع المغرب الذي يُعتبر نمودجا للاستقرار والتنمية في المنطقة.
منذ الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء والرياح تجري لصالح المغرب، بحيث تغيرت المعادلات الدبلوماسية. الدعم الأمريكي كان بمثابة نقطة تحول دفعت دولا أخرى إلى إعادة النظر في مواقفها تجاه النزاع. ومع استمرار السياسة الأمريكية في دعم حلفائها الاستراتيجيين في نصف الكرة الغربي، يظهر المغرب كقوة إقليمية لها دور محوري في تحقيق التوازن الإقليمي، سواء من خلال مكافحة الإرهاب أو تأمين سلاسل التوريد التي تحدث عنها روبيو في مقاله.
من يتابع السياسة الأمريكية يدرك أن خيوط الحكم لا تتسرب عبثاً، ولا مكان للصدف في السياسة. فالمصالح هي البوصلة التي تحدد الاتجاهات. الاعتراف بمغربية الصحراء لم يكن مجرد لحظة تاريخية عابرة، بل كان نتيجة طبيعية لتحالف استراتيجي يخدم الطرفين. واليوم، ومع تصريحات ماركو روبيو عن الدول الصديقة للولايات المتحدة، يبدو جليا أن الرياح السياسية الدولية باتت تهب لصالح المغرب، مما يعزز موقفه في قضية الصحراء ويؤكد أن المصالح المشتركة هي أساس التحالفات الناجحة.