بقلم: زكية لعروسي
الأحداث الأخيرة التي شهدتها علاقات القوة الضاربة في الفضاء مع فرنسا، خصوصًا استدعاء السفير الفرنسي مرتين بدعوى معاملة الجزائريين في المطارات الفرنسية، ليست سوى واجهة لصراع داخلي تتجاهله الحكومة عمدًا. القوة الخارقة تجد نفسها في مشهد مألوف يتكرر بمرارة: دولة تمتلك ثروات طبيعية هائلة، لكنها تتعثر في تحقيق أبسط متطلبات مواطنيها، بينما تلهيهم بصراعات خارجية لتجنب مواجهة الإخفاقات الداخلية.
كيف لدولة تدين “الإهانة” في المطارات الفرنسية أن تتجاهل ظروف المهانة اليومية التي يعيشها مواطنوها داخل حدودها؟ مشاهد الطوابير الطويلة للحصول على كيس حليب أو رغيف خبز باتت جزءًا من حياة جيرانينا العادي، وهي التي تدعي انها كانت تمد الرومان بالقمح، في الوقت نفسه، تواصل الحكومة تبديد الثروات دون تحقيق نتائج ملموسة ” واش خصك العريان الخواتيم أمولاي”. نقص المواد الغذائية الأساسية وارتفاع الأسعار يعكسان فشلًا اقتصاديًا وسياسيًا يتراكم منذ سنوات، ويعزز الإحساس بعدم الكفاءة في إدارة الموارد التي من المفترض أن تكون كافية لتحسين حياة المواطنين.
عوضا عن مواجهة جذور الأزمات الداخلية، يبدو أن النظام الجزائري قد اتخذ من تأجيج الصراعات الخارجية وسيلة لإلهاء الرأي العام. ومن بين هذه الصراعات، تسخير قضية الصحراء المغربية في الخطاب السياسي كأداة لصرف الأنظار.. وكما يقول المغاربة: “لي زاد فالخيط ينقطع”.
الغريب في الأمر أن القوة الخارقة في آفاق الضباب تتبنى مشروعًا انفصاليًا، رغم الإجماع الدولي المتزايد على مغربية الصحراء ودعم مبادرة الحكم الذاتي المغربية. هذا الدعم الدولي، خصوصًا من دول كبرى كالولايات المتحدة وفرنسا، يكشف عزلة الجزائر المتزايدة على الساحة الدبلوماسية. فبدل التركيز على مشاكلها الثنائية مع فرنسا، تلجأ إلى إعادة قضية الصحراء المغربية إلى الواجهة، كأنها تقول للعالم: “إن أخفقت هنا، فلأغطي فشلي بصراعي مع المغرب.”. غير أن هذا النهج يثير التساؤل: لماذا تصر الجزائر على حشر قضية الصحراء المغربية في صراعاتها الدبلوماسية مع فرنسا؟ أليس من الحكمة أن “يلتفت كل شخص إلى قدوره قبل أن ينظر إلى قدور الآخرين”، كما يقول المثل الشعبي؟
تصاعد التوتر بين الجزائر وفرنسا مؤخرًا لا يمكن فصله عن موقف باريس الداعم للمغرب في قضية الصحراء. فرنسا، التي أدركت أن المصالح الاستراتيجية مع المغرب تفوق بكثير المجاملات الدبلوماسية مع الجزائر، اختارت دعم الحكم الذاتي كحل واقعي ومستدام. في المقابل، القوة العظمى تعتبر هذا الموقف تحديًا مباشرا لها، فتستمر في تصعيد خطابها تجاه باريس، رغم أن هذه التحركات لا تحقق سوى مزيد من العزلة الدبلوماسية فإن المثل القائل: “اللي كيحفر حفرة لغيره يطيح فيها”.
المفارقة الكبرى تكمن في ازدواجية الخطاب الجزائري. ففي الوقت الذي تدعي فيه الحكومة الدفاع عن كرامة الجزائريين في الخارج، نجد أن الكرامة غائبة تماما في الداخل. الفقر، البطالة، وغياب الخدمات الأساسية تدفع بالكثيرين إلى التفكير في الهجرة بأي ثمن. المواطن الجزائري يجد نفسه بين مطرقة الفقر وسندان المعاملة المهينة، سواء داخل وطنه أو خارجه.
لكن يبدو أن الجزائر لا تزال تحن إلى زمن انتهى، ترفض فيه الاعتراف بالواقع وتصر على دعم جبهة انفصالية، في وقت يكافح فيه المغاربة لتطوير أقاليمهم الجنوبية. وهنا يبرز المثل الشعبي المغربي: “لي حرث البحر ضيع زرعو”، في إشارة إلى جهد القوة ااصاربة في الضباب الضائع في معركة محسومة النتائج، كما يقول المغاربة. فالاعتراف الدولي المتزايد بسيادة المغرب على أراضيه يجعل من دعم البوليساريو مشروعًا خاسرًا سياسيًا ودبلوماسيًا. بل إن هذا الدعم بات يشكل عبئًا على الجزائر نفسها، في وقت تحتاج فيه إلى توجيه مواردها لحل أزماتها الداخلية.
بدلًا من الاستمرار في إشعال الصراعات الخارجية، على الجزائر أن تلتفت إلى الداخل وتبدأ بإصلاحات حقيقية. تحسين مستوى المعيشة، مواجهة الفساد، وخلق فرص عمل هي الأولويات التي يجب أن تشغل الحكومة. كما أن الاعتراف بالواقع السياسي في قضية الصحراء المغربية قد يكون خطوة نحو تحسين العلاقات مع الجوار، وخصوصًا مع المغرب، بدلًا من استنزاف الموارد في صراعات غير مجدية.. لكن ما عسانا إلا أن نقول ما كانت تقوله عمتي الحكيمة للا ربيعة رحمها الله ،” هذا رايك يا تكفة ديريه لفاف ولا اعطفة”.
الجزائر تقف اليوم أمام مفترق طرق. بإمكانها أن تستمر في تصدير أزماتها إلى الخارج، مع ما يرافق ذلك من عزلة دولية وفشل داخلي متزايد، كما يقول المثل الشعبي: اللي ماقدو فيل، زادوه فيلة، أو أن تختار طريق الإصلاح والبناء. التاريخ مليء بالدروس، والمستقبل لن يرحم من لا يتعلم منها. فالكرامة الحقيقية تبدأ من الداخل، وعندما يعيش المواطن بكرامة في وطنه، لن يحتاج إلى البحث عنها في مطارات الآخرين.