بقلم: زكية لعروسي
في عالم سياسي معقد ومليء بالغموض والتناقضات، تظهر شخصيات قيادية تجذب الأنظار وتثير الجدل. من بين هذه الشخصيات، يبرز الجولاني كزعيم ترك بصمة واضحة في المشهد السوري الراهن، لكنه في الوقت ذاته يثير العديد من التساؤلات التي لم تجد إجابات قاطعة بعد. من هو الجولاني حقاً؟ ما هي أصوله الحقيقية؟ وهل يمكن الوثوق بشخصية تكتنفها الشكوك، ويظل اسمها محاطاً بالتأويلات بين الحقيقة والتمويه؟
اسم الجولاني الذي اشتهر به الرجل ليس سوى لقب. يُقال إنه يشير إلى ارتباطٍ ما بجولان سوريا، لكنه، كمعظم تفاصيل حياته، غارق في الغموض. لأعوام طويلة، ظل هذا الاسم وحده هو المعلن، حتى كشف الجولاني نفسه مؤخراً عن اسمه الحقيقي: أحمد حسين الشرع. هذه الخطوة، التي جاءت متأخرة، زادت من الريبة بدلاً من تقليلها، وأثارت أسئلة حول دوافع هذا الإخفاء الطويل لهويته.
أصول غامضة وروايات متناقضة
عند محاولة فك شيفرة حياة الجولاني، تتعدد الروايات وتتناقض بشكل ملحوظ:
– وفق ويكيبيديا، وُلد في دير الزور بسوريا، لعائلة يعمل والدها في القطاع الحكومي، قبل أن تنتقل العائلة إلى إدلب.
-الجزيرة تشير إلى ولادته في الرياض، وانتقاله إلى سوريا وهو في السابعة من عمره، دون تحديد المدينة التي استقر فيها.
– مصادر أخرى تدعي أنه عاش طفولته وشبابه في دمشق، بينما تقول روايات أخرى إنه ترعرع في العراق.
هذا التضارب يدفع للتساؤل: هل يعود الغموض إلى طبيعة الرجل نفسه أم إلى محاولات متعمدة لطمس ماضيه؟ وكيف يمكن لشخص يقود تنظيماً بارزاً أن تظل سيرته غامضة إلى هذا الحد؟
تشير بعض التقارير إلى أنه درس الطب لعامين قبل أن يتجه إلى العمل المسلح، لكن لا توجد سجلات مؤكدة تثبت ذلك، ولا يظهر اسمه في قوائم الطلبة أو شهادات الجامعات. على المستوى الاجتماعي، يبدو الجولاني منفصلاً عن الأصول التقليدية التي عادة ما تكون جزءاً من شخصية قيادية. فلا توجد معلومات موثوقة عن عائلته، أعمامه، أو حتى حضور اجتماعي له في المناسبات المرتبطة بمدينته المزعومة أو قريته. فلماذا هذا الغموض إذن؟
الغموض في هوية الجولاني وأصوله يفتح الباب لتكهنات عديدة، بعضها يتعلق بأبعاد استخباراتية وسياسية قد تكون وراء ظهوره على الساحة. شهدت المنطقة العربية حالات مماثلة لشخصيات وصلت إلى مواقع قيادية، ليتبين لاحقاً أنها تخدم أجندات خارجية أو تعمل بتوجيهات قوى كبرى.
أحد المحاور التي تُثار حول الجولاني هو موقفه من إسرائيل. رغم دوره الكبير في الساحة السورية، لم يُسجل أي صدام مباشر بين تنظيمه وإسرائيل، رغم قدرتها المعروفة على الوصول إلى قيادات مشابهة. هذا الغياب يثير تساؤلات حول طبيعة علاقته بها، خاصة في ظل تاريخ المنطقة الذي يظهر تلاعبات استخباراتية متشابكة.
من هنا، يرى بعض المحللين أن المقياس الحقيقي لمصداقية الجولاني يكمن في موقفه من إسرائيل، وهي التي تمثل التحدي الأكبر لأي قائد في المنطقة. إذا أبدى استعداداً لمواجهتها، فهذا قد يُضفي بعض الشرعية على توجهه. أما إذا تجاهل هذا الملف أو اختار التخاذل، فسيكون من الصعب فصل شخصيته عن التكهنات التي تربطها بمصالح وأجندات مشبوهة.
سواء كان الجولاني قائداً صادقاً في توجهه أو شخصية غامضة تحمل خلفها أجندات غير معلنة، يبقى موضوعاً يستحق البحث والدراسة بعيداً عن التطبيل أو التجريح. في عالم مليء بالصراعات، يصبح الوضوح والثقة أساسيين لأي قائد يطمح للجلوس على كرسي القيادة أو التبريز. ومع ذلك، يبقى الحكم النهائي عليه مرهوناً بأفعاله، خاصة في القضايا التي تختبر مواقفه الوطنية والقومية.