بقلم: زكية لعروسي
شهدت العاصمة الفرنسية باريس اليوم حدثًا فكريًا استثنائيًا، تمثل في ندوة حوارية نظمها الأستاذ علي المرعبي، الأمين العام لاتحاد الصحفيين والكتاب العرب في أوروبا. الندوة جمعت كوكبة من المثقفين والسياسيين البارزين، كان من بينهم الأستاذ محمد نبيل بنعبد الله، الوزير المغربي السابق للإعلام وسفير إيطاليا، والأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية. وقد عُقد هذا اللقاء في إطار نقاش معمق حول الهوية الوطنية لمغاربة المهجر والتحديات الثقافية والسياسية التي تواجههم في عالم متغير.
افتتح الأستاذ محمد نبيل بنعبد الله مداخلته بتسليط الضوء على التعددية الثقافية والدينية التي تشكل ملامح الهوية المغربية، مشيرًا إلى أن المغرب يقدم نموذجًا فريدًا للتعايش بين مكوناته الإسلامية واليهودية تحت رعاية جلالة الملك محمد السادس، أمير المؤمنين لكل المغاربة، مسلمين ويهودًا. وأكد بنعبد الله أن هذا الانفتاح الروحي لا يتعارض مع الحفاظ على الهوية العربية بل يعززها، في وقت تشتد فيه التحديات التي تواجه شعوب العالم العربي في الحفاظ على هويتهم.
وأشار الوزير السابق إلى أن الهوية المغربية تمتلك مرونة تتيح لها التفاعل مع العالم الخارجي دون أن تفقد أصالتها. وبهذا، يستطيع مغاربة المهجر أن يكونوا سفراء للسلام والانفتاح، حاملين قيم التسامح التي ينفرد بها المغرب.
إلى جانب التطرق إلى القضية الفلسطينية، تحدث في آخر الندوة احد مناضلي الجالية الأحوازية العربية بأوربا طالب الأحوازي العربي، إلى الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية محمد نبيل بنعبد الله ،عن قضية الأحواز العربية معربًا عن تطلعه لأن يلعب المغرب دورًا مؤثرًا في دعم نضال الشعب الأحوازي لاستعادة حقوقه وهويته الوطنية. جاءت هذه الدعوة متوخية الاستفادة من مكانة المغرب كدولة رائدة في تعزيز قيم التسامح والدفاع عن القضايا العادلة، ومشددة على أهمية حشد الدعم العربي والدولي لنضال الأحوازيين من أجل تقرير مصيرهم.
الندوة كانت فرصة سانحة لطرح قضايا محورية حول دور مغاربة المهجر في المشهد السياسي والاقتصادي المغربي. ومن بين التساؤلات التي أثيرت، طرحتُ على الأستاذ بنعبد الله سؤالين محوريين:
1. ما موقع مغاربة المهجر في المشهد السياسي؟ وكيف يمكن إدماجهم فيه؟
2. ما هي رؤيتكم لدور الأجيال الصاعدة من أبناء المهجر في دعم الاستثمار بالمغرب؟ وكيف يمكن الحفاظ على استمرارية الدينامية التي أطلقها الجيل الأول من المهاجرين في ظل غياب مركز ثقافي يربطهم بجذورهم؟
في إجاباته، أكد الأستاذ بنعبد الله على أهمية تعزيز مشاركة مغاربة المهجر في الحياة السياسية الوطنية، ليس فقط كناخبين، بل أيضًا كصناع قرار يساهمون في رسم السياسات التي تعكس تطلعاتهم وتطلعات وطنهم الأم. وأوضح أن التواصل بين الجالية المغربية والمؤسسات الرسمية -على ضوء خطاب جلالة الملك محمد السادس نصره الله بمناسبة عيد المسيرة الخضراء- يجب أن يكون أكثر تنظيمًا وفاعلية لضمان تمثيل صوتهم في القضايا الوطنية.
تطرق النقاش إلى أهمية الدور الثقافي في ربط الأجيال الجديدة من مغاربة المهجر بوطنهم الأم. وأشرتُ إلى الحاجة الملحة لإنشاء مركز ثقافي مغربي في الخارج تكون بمثابة منصات للتواصل والتفاعل، حيث يمكن للأبناء استكشاف تراثهم وتعلم لغتهم الأم. وبهذا، تتعزز هويتهم الوطنية ويصبحون قادرين على نقل إرثهم الثقافي إلى الأجيال القادمة، وتحويلات العملة التي تعد ركيزة أساسية للاقتصاد الوطني، خصوصًا في المناطق الشرقية التي تعتمد بشكل كبير على هذه التحويلات.
وكان الختامٌ بطعم الوحدة الوطنية، إذ تميزت الندوة بتفاعل كبير بين الحاضرين، الذين أجمعوا على أهمية استمرار مثل هذه اللقاءات لفتح آفاق جديدة للحوار بين أبناء الجالية المغربية وممثلي الدولة. كما أبدى المشاركون تطلعهم إلى خطوات ملموسة نحو تعزيز الروابط الثقافية والسياسية والاقتصادية بين الوطن وأبنائه في المهجر.
اشاد الجميع بشكرهم للأستاذ علي المرعبي على جهوده المتميزة في تنظيم هذا الحدث الذي جمع بين الفكر والثقافة والسياسة، مؤكدين أن هذه المبادرات تعزز اللحمة الوطنية وتمثل نموذجًا للحوار الحضاري البناء.
كانت الندوة بمثابة جسر ممتد بين الضفتين، حيث التقى الفكر مع الهوية، والسياسة مع الثقافة، والتحديات مع الحلول، في رسالة واضحة مفادها أن المغرب، أينما كان أبناؤه، يظل وطنًا للتسامح والانفتاح.