بقلم: زكية لعروسي
عذرًا، أيها القارئ النبيل، سأستأذنك لحظةً، لأخاطب روح القائد معمر القذافي – ألف سلام ورحمة عليه – وألتمس منه العذر، واطلب الاعتذار من ذرات ترابه. فلكم أسأت إليه وانا انعته بمرض العظمة.
نعم يا قارئي، أكرر اعتذاري أمام الملأ، وفي حضرة التاريخ والأدب، لمن ظن يومًا أو لحظةً انه “ملك ملوك إفريقيا”.
سأجعل من قلمي سلاحًا في وجه “عظمة” زائفة، سرابٍ يقتات على أرواحنا، ذلك السرطان المسمى بالـ”ميغالومانيا” المتفشي كطاعونٍ فكريّ، ينهش نباهة العقول ويفتك بصفاء النفوس.
رحمك الله يا معمر، فمهما بلغ جنونك ومهما تضاربت رؤاك، كان لجنونك مغزى، لخزعبلاتك مقصد واضح. لكن ما أسفنا عليه هو أن ذلك الداء، الذي ظنناه اندثر معك، قد عاد إلينا بوجه جديد، متلبسًا ثياب الأدب والفن، متبجحًا بغرور مدمر، ومسميًا نفسه زيفًا “تفوقًا”.
وأكاد أرى المتنبي يضحك ساخرًا من عليائه، وهو ينصت إلى من يعتبرون أنفسهم نوابغ وشعراء ومفكرين عظامًا. إن “الأنا” المتضخمة التي تسكنهم ما هي إلا كتلة من تصلب القليل من مادتهم الرمادية، وانخداعهم بماء راكد آسن، يوهمهم بأنه ينبوع نهر متدفق. أيها الواهمون، إنكم كما قال المتنبي في حكمة بليغة:
“وما انتفاع أخي الدنيا بناظرهِ
إذا استوت عنده الأنوار والظلمُ؟”.
إن ما أراه أمامي أشخاصٌ تملأ الدنيا صيحاتهم، صاخبين بأقلامهم الخاوية، يخلطون الأدب بالتعالي، والحكمة بالغرور، ويطوقون أنفسهم بهالة مزعومة، كأنهم فوق الجميع، يعتلون بأقلامٍ متكسرة، تتهاوى تحت ثقل الاستعلاء. في ظنهم أن بضع كلمات منمقة سترتقي بهم ليكونوا “المتنبي الجديد” أو “فولتير”، بينما الحقيقة هي أنهم غافلون عن جوهر عظمة المتنبي وفولتير؛ إذ كانت عظمتهما تكمن في صمتهما الحكيم، في تواضعهما أمام المعاني، وشجاعتهما في مواجهة الزمان، لا في غرور أجوف.
إن العظمة الحقة، يا من تدعونها، تكمن في التواضع؛ في أن يعرف الإنسان حدود فضله وقدر نفسه، لا أن يغرق في بحرٍ من الأوهام. كل عظيمٍ من شعراء وأدباء أصيلين يعلو ليصمت، ويرتفع صوته فقط حين يعجز الصمت عن حمل معناه. فأين أنتم من هؤلاء؟